الملابس الجديدة.. ترف لم يعرفه معظم جيل الشباب السوري اليوم
حيل الشباب في تدوير الملابس وإعارتها واستثمار عروض محلات البالة
لم يتمكن هاشم 20 عاماً طالب بكلية الهندسة المعمارية بجامعة تشرين، من الموازنة بين احتياجاته ومدخوله. فالشاب الذي يعمل في إحدى شماعات الحمضيات بمحافظة اللاذقية، لا يكفيه مدخوله لشراء احتياجات الجامعة والملابس معاً، وكان عليه أن يختار، فاختار لوازم الدراسة.
سناك سوري-رحاب تامر
يحصل الشاب على أجر يومي مقداره 35 ألف ليرة، وتمتد ساعات عمله منذ الثامنة صباحاً وحتى الرابعة ظهراً. كما يقول، ويضيف لـ”سناك سوري”، أنه في بعض الأيام يبقى حتى الثامنة مساء بسبب ضغط العمل، ويحصل على 10 آلاف ليرة زيادة عن 4 ساعات عمل إضافية، يمضيها بنقل الصناديق من السيارة إلى المستودع.
يحتاج الشاب إلى 6 أيام عمل ليشتري بنطال جينز من النوع الرديء بسعر 200 ألف ليرة، وإلى نحو 5 أيام عمل ليشتري بلوزة، و10 أيام ليشتري حذاء جيد من “البالة”. وإلى 15 يوماً ليشتري جاكيت شتوي من البالة أيضاً. أي أنه ليحصل على بدل كامل يحتاج أن يعمل أكثر من شهر وثلث، ويوفر كل مدخوله دون أن يبدد منه أي ليرة على لوازم الدراسة.
يقول “هاشم”، إن توفير كل مدخوله لشراء الملابس فقط، أمر غير وارد إطلاقاً، فلديه شقيقة تدرس بكلية هندسة الاتصالات، ووالده موظف متقاعد مريض بالقلب. أما والدته فهي موظفة أيضاً، ولا يستطيع أن يأخذ من عائلته أي مصروف وبخلاف ذلك يعمل هو وشقيقته ليكفيا لوازم دراستهما ويساعدا والديهما بمصروف المنزل.
لا يخفي “هاشم” شغفه بالملابس الجديدة وحاجته للتبديل والحصول على 3 بدلات على الأقل مناسبة للدوام الجامعي. ويقول إن ما يساعده على تجاوز هذه المشكلة، هو أن معظم زملائه تقريباً يعيشون واقعاً مشابهاً. وأما الفئة التي تبدل الملابس وترتدي الأنواع الباهظة الثمن فهو بالعموم يحاول الابتعاد عنها. خصوصاً أن طقوس تلك الفئة تحتاج لمصاريف كبيرة، وهو لا طاقة له على الذهاب للكافتريا أو مطاعم الوجبات الجاهزة أو أي نزهات أخرى.
“حسن” 19 عاماً نجح الثانوية ودخل سنته الجامعية الأولى بالهندسة الميكانيكية هذا العام. ومنذ بداية الدوام الجامعي لم يبدل بنطال الجينز والبلوزة التي يرتديها، حتى مع قدوم الشتاء اكتفى بشراء سروال صوفي يرتديه تحت بنطلونه. وبلوزة جديدة حصل عليها من ابن عمته، وبالنسبة للجاكيت فهو يمتلك واحدة.
الشاب الذي يعمل لدى ميكانيكي سيارات، قال لـ”سناك سوري”، إنه لا يخشى نظرات الآخرين، ولا ما يقولونه فهو يدرك صعوبة وضعه المادي ولا يكترث كثيراً بالملابس لديه هدفه الوحيد التخرج من الجامعة ومن ثم السفر بعيداً.
الموظفون ليسوا بأفضل حالاً
وجدت لما 27 عاماً معلمة مدرسة تعيش في مدينة اللاذقية، طريقة لتعويض نقص الملابس، بتبادلها مع شقيقتها وابنة خالتها. حيث اتفقت الصبايا الثلاث على تلك الحيلة التي يجدن فيها أفضل الحلول الموجودة.
تقول “لما” لـ”سناك سوري”، إن راتبها الذي لا يتجاوز الـ500 ألف ليرة مع التعويضات، لا يكفي ثمن جاكيت شتوي من البالة. والملابس بالنسبة لها ضرورية، فهي لا تريد ملابس باهظة ولا أن تبدل كل يوم قطعة جديدة. يكفيها أن تشعر بالثقة بأنها ترتدي شيئاً جيداً لا يتكرر يومياً.
إضافة إلى حيلة تبادل الملابس فيما بينهنّ، فإن الصبايا الثلاث يلجأن إلى محلات البالة بآخر الموسم حيث تكثر العروض. مثلاً اشترت لما 4 بلوزات صيفية قبل أسبوعين بسعر 25 ألف ليرة للواحدة. بينما يزيد سعرها عن 150 ألف ليرة خلال الموسم.
والأمر ذاته ينطبق على شراء الملابس الشتوية. وبالنسبة لمحال الملابس الجديدة فإن الصبية لم تزرها منذ 4 سنوات تقريباً. تضيف: “المشكلة أن نوعية الملابس الجديدة رديئة للغاية وغالية الثمن بالوقت ذاته. كما أن موديلاتها غير جميلة، والألبسة المستوردة أو المهربة جيدة الصنع إلا أنها مرتفعة الثمن، مثلا بنطال الجينز يصل إلى 500 ألف ليرة والجاكيت فوق المليون والبلوزة الواحدة 250 ألف ليرة”.
تحب “زينب” 29 عاماً شراء الملابس، وتلجأ إلى محلات البالة في مواسم العروض تحديداً. حيث تشتري كل ما تريده تقريباً مستغلة انخفاض السعر، كما تقول وتضيف لـ”سناك سوري”، إنها تزور الوكالات خلال تصفيات آخر الموسم أيضاً.
خلال الموسم لا تستطيع الشابة شراء الملابس حتى لو احتاجتها، فراتبها حيث تعمل عن بعد لا يسمح لها بأكثر من شراء الملابس بالتصفيات.
كما أنها تحاول العثور على ميزانية للملابس، من خلال تخفيف كمية ما تشتريه من معسل أركيلة شهرياً. إضافة إلى إلغاء نزهات الأصدقاء، توضح الشابة أنها وقبل بدء موسم التخفيضات بنحو الشهرين توفر 100 ألف ليرة من المعسل، و35 ألف ليرة من كل مشوار لا تذهب إليه مع صديقاتها إلى الكافيه.
أما “ناديا” 35 عاماً موظفة، فهي لا ترصد أي ميزانية للملابس تشتري حين يكون معها فائض وهذا لا يحدث أبداً. أو إن كات مضطرة كثيراً تقوم باقتطاع جزء من راتبها ثم الاستدانة لمتابعة الشهر.
تضيف الشابة أنها من “جماعة البالة بالعموم”، ولا تفكر بزيارة محال الألبسة سواء المستوردة أو محلية الصنع.
وتعتبر شريحة الشباب من أكثر الفئات رغبة باقتناء الملابس الجديدة وتنويعها. إلا أن هذا بات ترفاً بعيد المنال في ظل بروز أولويات أخرى أكثر أهمية مثل الطعام وأجور المواصلات، وهو ما حرم فئة كبيرة منهم من شراء الملابس والاكتفاء بملابس البالة أو الملابس المهداة إليهم من آخرين استعملوها وملّوا منها أو لم تعد تناسب مقاسهم.
يذكر أن أسعار الملابس الشتوية ارتفعت 20% عن العام الفائت، وفق رئيس القطاع النسيجي “مهند دعدوش” بتصريحات لشام إف إم، محملاً المسؤولية على زيادة نفقات التكاليف سواء على صعيد سعر الصرف، وفواتير الكهرباء نحو عشرة أضعاف عن العام الماضي.