الرئيسيةيوميات مواطن

الكتابة بالمقلوب على جسد يتعافى – لينا ديوب

خاطبتُ خليّتي المريضة وأخبرتها أني أتقبلها وأريد عقد اتفاق ودي معها

أجلس الآن على سريري في الغرفة رقم أربعة، قسم أمراض الدم، بانتظار الممرضة التي ستفتح وريدي لتلقي الجرعة الأولى من علاجي. عدت للتفكير في مرضي الذي لا أعرف عنه الكثير حتى اللحظة، لأن الاكتشاف والتشخيص أتى بسرعة، عرفت معلومتين. الأولى: أن هناك خلية تعاني من خلل ما في صبغياتها، والثانية أن نخاع العظم عندي يتسبب في تعطيل إنتاج الجسم لخلايا الدم بصورة طبيعية.

سناك سوري-لينا ديوب

قبل ذلك في المخبر عندما أظهرت التحاليل، نقصا” في الخضاب والصفيحات. سألت الطبيب، مستنكرة تقصيري تجاه صحتي: كيف تدهورت حالة دمي إلى هذه الدرجة وأنا لدي وعي صحي وأعتني بنفسي؟ أجابني أن ما أصابني لا علاقة له بإهمال أو اهتمام. وأن بقية التحاليل والتحريات ستشخص الحالة.

خلية (الهبل)

لم أجهد نفسي بالتفكير بنخاع العظم، لكنني توجهت إلى خليتي المختلة الصبغيات، خاطبتها بكل ود، بأنني أتقبلها ويمكنني عقد اتفاق ودي معها. لنجد طريقة مشتركة ندخل فيها معاً إلى نخاع العظم، لعله يكف عن تعطيل إنتاج خلايا الدم. تذكرت أنني في مرات كثيرة لم أحسن التصرف، بل على العكس بدوتُ أقل ذكاء” أو كما يقال بالعامية (هبلة). لكنني لم أنزعج حينها ولم ألُم نفسي، والآن بعد أن توقعت أن السبب قد يكون هذا الخلل الصبغي، أحببته، نعم أنا أحب خلية (الهبل)!.

هذا الواقع الصعب الذي نحياه نحن السوريون بكل تفاصليه، هل من ضير إذا تخلينا عن الجدية واتكأنا قليلا على الفكاهة مع (الهبل) لمواجهته. فكيف إذا كانت بعض خلايانا تساعدنا دون أن ندري.

مقالات ذات صلة
اقرأ أيضاً: طفلتي تحتاج الحب والتعليم – لينا ديوب
خوف لا يُخفى

منعني طلب الممرضة بأن أمد يدي لها لفتح الوريد، من متابعة مناجاتي لخليتي، أخفيت خوفي من وخز الإبرة في ساعدي الأيسر. فأنا أعرف صعوبة شراييني، وأعاني كما الأطفال خوفاً مستمراً من صعوبة إيجاد الوريد الملائم. إلا إذا وفقني الله بممرض أو ممرضة بارعين في عملهم وما أكثرهم في مشافينا.

أنهت الممرضة مهمتها بسرعة قياسية، ثم جاءت الطبيبة المقيمة ووضعت القسم الأول من الجرعة في أداة لها شكل الإبرة. لكنها كبيرة بلون أحمر والثانية كيس بلاستيكي مغطى بغطاء عاتم. راقبتُ لدقائق خروج النقاط التي تتسرب إلى دمي، لتقتل خلاياي دون إدراك مني لما ستكون النتيجة في الأيام المقبلة. مع بدء تسلل الدواء إلى يدي نقطة نقطة، بدأ إحساسي بألم يمكنني تحمله وإخفاؤه عن أختي بجانبي.

المريضة المرفهة

رفيقاتي في الغرفة، أو زميلاتي في المرض، صاحبات خبرة الإقامة في المشفى أكثر مني، والتمرس بتلقي الدواء وآثاره. تتوضح خبرتهن مع كل سؤال وكل معلومة أو اقتراح يقدمنه لي، لكل زميلة قصتها المرضية. ورحلتها المضنية مع العلاج والسفر من محافظات بعيدة، لدرجة أحسست أنني المريضة المرفهة بينهن. فالمشفى يبعد عن بيتي مئات الأمتار فقط، ولم يزل جسدي يحتفظ بقوة المجابهة، أيضاً ولا سوابق مرضية.

تلقيت أول اتصال على سرير العلاج من صديقتي خولة غازي، قائلة لها: (مابتخلو حدا ينبسط بجرعة) نضحك كعادتنا. بينما أضع هاتفي جانبا، ترفع زميلتي في السرير المقابل يدها لي لتقول: “لن يتغلب المرض على ضحكتك”، أكدتُ على كلامها بالقول: نحن السوريات تغلبنا على الكثير منذ ما يزيد على عشر سنوات وسنتغلب على مرضنا.

غافلتُ أختي وسألت الطبيبة المسائية التي جاءت لقياس حرارتنا نحن المريضات وسألتها عن سبب الألم في يدي. أخبرتني أن القسم الأول من الدواء لا يتقبله الجسم بسهولة وعليّ التحمل لأيام فقط.

ساعدتني أختي بتناول عشائي من أطعمة منوعة أعدها زوجي في البيت وأحضرها، ثم أخذتُ أدويتي الوقائية، وأغمضتُ عيني في انتظار نوم بدا بعيداً عني في يومي الأول.

اقرأ أيضاً: رغم مرضي الخطير والحرب والعقوبات أنا بين أيدٍ أمينة – لينا ديوب

 

زر الذهاب إلى الأعلى