أخر الأخبارالرئيسيةسناك ساخن

الصحافة السياسية في سوريا… تحكمها نظريات السادات

الصحافة السياسية لا خطوط حمراء في انتقاد الخارج "السقف مفتوح"

في سبعينات القرن الماضي وجه الرئيس المصري أنور السادات صفعة قوية للصحافة السياسية. ووضع حدوداً لدورها تحولت فيما بعد لنظرية السلطة تجاه الصحافة السياسية ويتم تطبيقها في سوريا.

سناك سوري – بلال سليطين

أول ضحايا نظرية “السادات” كان الصحفي المصري “محمد حسنين هيكل” والذي واجه دعوى أمام المدعي الاشتراكي بتهمة الإساءة لمصر.

يقول “هيكل” في مذكراته المصورة أن الرئيس السادات أبلغه بأن الصحافة دورها أن تكتب في قضايا الكهرباء والمياه والمعيشة..إلخ. وليس من مهامها أن تكتب بالقضايا السياسية والأمن القومي. وطالبه فيما لو أراد الحديث بالسياسة أن يأتي للعمل معه بالقصر الرئاسي.

وهو ماعارضه “هيكل” الذي يعد أحد الرموز الصحفية في “مصر” والعالم العربي. ورأى أن السياسة في صلب دور الصحافة ومضى بعيداً في رأيه الذي أوصله لتهمة الإساءة لمصر بسبب مخالفته لوجهة نظر السلطة بالسياسية.

الصحافة السياسية في سوريا

ونظرية السادات تلك التي على مايبدو تم تعميمها على نطاق واسع لا تنسجم حتى مع صحافة العصر في تلك المرحلة. والتي كان فيها آلاف الصحفيين حول العالم الذين يكتبون بالسياسة والنقد السياسي ويخالفون سياسات حكومات في تحليلاتهم وما ينشرون. وكذلك يطابقون سياسات الحكومات ويشيرون لثغرات فيها.

اليوم إذا ماراجعنا مختلف الصحف السورية الرسمية والخاصة التي تعمل في سوريا فإننا سنجد نظرية السادات تطبق فيها حالياً. فما تنشره وسائل الإعلام في سوريا يعبر عن الهوامش المسموح بها والتوجيهات التي تحدد مسارات العمل المتاحة والتي تأتي من مراكز القوى الكبرى في البلاد.

حتى أن صفحة سياسة تغيب عن جزء كبير من هذه الوسائل. وفي تلك التي تحضر فيها مثلاً كجريدة تشرين فإنها عبارة عن أخبار سياسية يمكننا أن نجد نسخاً منها في سانا ومختلف الوسائل الأخرى.

بنك الدم في الصحافة السياسية

بينما تذهب جريدة الثورة أبعد قليلاً وتنشئ قسم ملف سياسي يمكننا أن نقرأ فيه تقارير عن “بنك الدم“. وكذلك يمكننا أن نطالع فيه تقارير ولقاءات عن السودان عن الأمن القومي لمصر وآلاف المحتوى الذي يعبر تماماً عن وجهة نظر الحكومة السياسية. من التحالفات إلى المواقف والرؤى والخيارات في كل قضية وسلوك وموقف.

وإذا اعتبرنا أن الصحافة السياسية كثيراً ماتكون على شكل مقالات رأي، فإننا نطالع مقالات من نوع “يترنح القطاع الزراعي على وقع خيبات متتالية“. أو عن موسم انتقالات لاعبي كرة القدم والتعصب الرياضي. بالإضافة لآلاف المقالات عن الغرب وأميركا وسياساتهم الداخلية وهزائمهم في سوريا.

منبر البعث.. لديه كلمة واحدة

ربما يكون لافتاً أن صحيفة حزب البعث التي مثلَّت في مرحلة ما منبر الحزب للتعبير عن القضايا السياسية. ليس فيها صفحة سياسية أو ملف سياسي أو حتى مقالات رأي ولا يكتب فيها سوى كاتب سياسي واحد هو مدير البعث “عبد اللطيف عمران“. والذي يعبر عن كلمة البعث التي تتطابق تماماً مع كلمة الحكومة.

الخاص نحو العالمية السياسية

حتى وسائل الإعلام شبه الحكومية والتي تسمى خاصة فإنها تتعاطى مع الصحافة السياسية من باب مقالات الرأي التي تجدها جريئة جداً على السياسات الغربية حالها حال الصحف العامة. ويمكنك أن تطالع في صفحة واحدة محتوى عن الصين وأميركا وأوروبا وفرنسا وتركيا كله في سياق مقالات الرأي التي إما تمدح صحوة الصين أو هزيمة أميركا أو انقسام أوروبا. أو تخبط أردوغان.

وبالتالي فإن الصحف الخاصة في البلاد تنحو باتجاه العالمية السياسية وتلتزم أيضاً بالمحليات في التعبير عن وجهة نظر السلطة وقول ماتقول. وربما في مرات نادرة يخرج رئيس تحرير إحدى الصحف ليقول بالسياسة مالاتقوله الحكومة. وهذا بالمناسبة صحافة سياسية لكن تسميتها الأدق في سوريا “صحافة سياسة السلطة”.

الاتكاء على صحافة لبنان السياسية

طبعاً ليست سوريا وحدها التي تمتلك السلطات فيها صحفاً تنقل سياساتها، لكن ربما سوريا هي الدولة الوحيدة التي يقتصر دور الصحف فيها على نقل السياسات. ماذا عن تحليلها أو تشريحها أو نقدها أو حتى إجراء مراجعة لها. هذا لايمكن أن تجده وإن وجدته صدفةً ربما لن تجد كاتبه.

وبالمناسبة هذه الحالة قديمة في سوريا فكثيراً ما اعتمدت دمشق على الصحافة السياسية اللبنانية. فنموذج “محمد حسنين هيكل” وهو بالمناسبة محبوب في دمشق كشخص لكن غير مرغوب كنموذج في سوريا لذلك لايمكنك أن تراه. بل يحل محله تاريخياً صحفيون سياسيون من الجارة لبنان. وأحياناً صحف في لبنان تتيح لصحفيين سوريين الكتابة السياسية ضمنها. وربما شكلت جريدة السفير أحد أبرز النماذج التي أتيحت الفرصة فيها للكتابة السياسية عن سوريا وكثيراً مامنعت في البلاد.

علماً أن منع الصحيفة من دخول سوريا لم يكن رفضاً لكل ما جاء فيها بل عدم رغبة في أن يقرأ الناس هذا المحتوى. وبالتالي كان ومازال هناك مشكلة مع الصحافة السياسية ووجود قراء لها.

والصحافة السياسية موجودة في مختلف دول العالم. على سبيل المثال اليوم يوجد أزمة سياسية كبرى في النيجر وانقلاب عسكري ورئيس مسجون. ويوجد صحافة سياسية هناك ويمكننا أن نقرأ محتوى سياسي صحفي وليس مجرد أخبار سياسية. ومنها ماينتقد الانقلابيين ومنها ما يمدحهم. حتى الرئيس المسجون يكتب مقالات سياسية من سجنه.

في المحصلة هربت الصحافة نحو الفن والرياضة، وحُصر ماتبقى بالخدمات وشيئاً فشيئاً تحولت من صوت مسموع تخشاه السلطة وتستمع له إلى صحافة سلطة تبصم على ماتقوله الحكومة. فلا تحلل سياسات ولا تنتقد إجراءات ولا تعبر عن رأي آخر . يوجهها محافظ ويُقيدها رئيس بلدية وترافق وزير ويمنع عنها تصريح. ومنتجاتها تذهب لاستخدامات أخرى غير القراءة وتخسر كل يوم لصالح صفحة فيسبوك يديرها آدمن “مجهول”.

زر الذهاب إلى الأعلى