التحرش في سوريا … قانون يتساهل مع المتحرش ومجتمعات تلوم الضحية
سندويشة الفلافل أغلى منها ... غرامة التحرش اللفظي 75 ليرة ..
هل وقفت يوماً في طابور الخبز وشعرت بأن يد أحد الذكور تلامس أعضاءك؟. هل قال لك سائق السرفيس لوين رايح القمر؟. هل سمعت شاباً على دراجة نارية يقول ياريتني “الجزدان بإيدك”. إذا كان الجواب نعم فأنت تعرضت للتحرش الجسدي أو اللفظي والذي يعاقبه عليه قانون التحرش في سوريا بطريقة متساهلة إذا كان لفظياً.
سناك سوري _ خاص
“حلا 25 عاماً” صادف جلوسها إلى جانب شاب في وسائط النقل العامة وإذا به يفتح هاتفه المحمول ويبدأ بمشاهدة الأفلام الإباحية. ما تعرضت له هذه الشابة التي تدرس الآداب بجامعة دمشق هو نوع من أنواع التحرش غير المباشر. تقول حلا لـ سناك سوري: «بلحظة وبطرفة عين شاهدت لقطة أصابتني بالذهول لم أستطع الالتفات بعدها إلى الشخص الذي كان يجلس بجانبي اعتبرت الأمر مساحته الخاصة لكن بعد تفكير معمق وجدت أن هذا تحرش».
يتخذ التحرش آليات مختلفة وطرائق متنوعة. تبدأ بالغمز واستخدام عبارات “التلطيش” وهي متنوعة منها ما يعتمد على إطلاق تعابير حول جمال الفتاة. ومنها ما يحمل إيحاءات جنسية وألفاظ نابية. وهو أسلوب أيضاً يلحظه قانون التحرش في سوريا.
أما الجزء الثاني فهو التحرش الجسدي المباشر أو الملامسة ويأتي غالباً في وسائل النقل العامة كأن يجلس ذكر في مقعد السيرفيس ويحرك ساقيه للاحتكاك بالفتاة. أو أن يمد أحدهم يده مستغلاً الازدحام لملامسة جسد فتاة كما يحدث على طوابير النقل والخبز والملاعب ..إلخ. وهذه أيضاً جريمة يلحظها قانون التحرش في سوريا.
http://https://www.youtube.com/watch?v=2tlSNTpfwLc
معظم الحالات من هذا النوع تنتهي بصمت الفتيات عنها. حيث يشير استطلاع رأي أجريناه أن النساء في معظم المجتمعات السورية يمِلن للسكوت عن التحرش الذي يتعرضن له في الشارع والعمل وحتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك لاعتبارات مجتمعية تعتبر ذلك “فضيحة” في وسط مجتمعي يلقي اللوم على النساء بدلاً من مساعدتهن بفضح المتحرشين. ويبدأ بمنح المتحرش تبريرات تهاجم المرأة كالحديث عن ثيابها ومظهرها وما إلى هنالك من ذرائع واهية لتبرير جريمة التحرش.
فكم مرة سمعنا فلان أو فلانة يقولون “هي ماكان لازم تلبس تنورة”، أو “هي لو ما بدها تتلطش كانت تحجبت”، أو “الحق عليها هي مرقت بهذا الشارع” وكأن الشارع ملك المتحرش وليس الدولة…إلخ من تبريرات.
حكم المتحرشين بالقانون السوري
لا يوجد قانون للتحرش في سوريا وإنما هناك مواد في قانون العقوبات السوري تتناول هذا الموضوع علماً أنه قانون موضوع من العام 1949. ولم تشمل مواده المتعلقة بالتحرش أي تعديل منذ ذلك الحين.
ويذكر موضوع التحرش ضمن قانون العقوبات السوري في كل من مواده 505 و506 و507 التي يرى حقوقيون أنها فشلت في إيجاد نص قانوني يضمن حقوق المرأة في حال تعرضت للتحرش.
حيث تذكر هذه المواد أنه يعاقب “المتحرش” بشكل مادي (جسدياً) بالسجن لمدة أقصاها سنة ونصف. أما التحرش اللفظي فعقوبته إما غرامة 75 ليرة أو السجن مدة أقصاها ثلاثة أيام أو كلاهما معاً.
ويرى الشباب والشابات الذين التقاهم سناك سوري خلال استطلاع رأي أجراه في 5 محافظات أن عدم وجود رادع قانوني بظل غياب الوازع الأخلاقي يمنح الفرصة للمتحرشين بفعل السوء أكثر وأكثر.
القانون الحالي لايحمي الضحايا
تعرضت “نهلة” 28 عاماً للتحرش مرتين الأولى لفظياً في الشارع والثانية جسدياً في باص النقل الداخلي الذي عادة ما يكتظ بالركاب.
تقول “نهلة” لـ سناك سوري إنها أصبحت تتحاشى ركوب باص النقل الداخلي للذهاب إلى الجامعة. وذلك رغم أنه الوسيلة الأوفر مادياً والأكثر توفراً بنسبة لها. وتقول إن:
«التحرش بكل أنواعه جريمة». وعلى مايبدو لا تنتهي أثاره عند الجانب النفسي أو الجسدي المرتبط مباشرة به. فمن آثاره مباشرة أن تمتنع عن ركوب باص نقل عمومي رغم الحاجة الماسة له.
بينما تعتبر “مي 22 عاماً” أن القانون الحالي مُتساهل مع المتحرشين. وتضيف لـ سناك سوري:«القانون مرفوض تماماً بالنسبة لها بشكله الحالي ». كما ترى أن ظاهرة التحرش تتفاقم، وأن على أعضاء مجلس الشعب أن يتصرفوا.
75 ليرة عقوبة لا تشتري سندويشة فلافل
عندما وضع المشرع السوري غرامة 75 ليرة عام 1949 كانت تمثل غرامة مالية مقبولة بالنسبة لتلك المرحلة الزمنية كان يعادل قرابة 35 دولار أميركي. بينما اليوم 100 ضعف منه لاتعادل 1 دولار أميركي. ما يجعل النص القانوني يفتقر للتطوير والتحديث ولا يتناسب مع المرحلة. علماً أن أرخص سندويشة فلافل في سوريا اليوم ثمنها 5000 ليرة سورية.
ويستنكر “عمران 24 عاماً” عدم تعديل قانون العقوبات بما يتناسب مع الوقت الحالي، فعقوبة 75 ليرة غير مناسبة إطلاقاً.
إن كرامة الإنسان الذي يتعرض للتحرش. أياً كان شكله لا تستردّ بعقوبة مالية بسيطة أو بحبس لأيام ثلاثة في حال كان التحرش لفظياً دعاء 23 عاماً
تعتقد “دعاء ٢٣ عاماً” «أن كرامة الإنسان الذي يتعرض للتحرش. أياً كان شكله لا تستردّ بعقوبة مالية بسيطة أو بحبس لأيام ثلاثة في حال كان التحرش لفظياً».
وترفض دعاء في حديثها لـ “سناك سوري” الصمت على التحرش:«في البداية كنت أخاف وأصمت في حال تعرضت للتحرش. وخصوصاً في وسائل النقل، أدير وجهي وأهرب في أحيان كثيرة. أما اليوم فلا أقبل أن تهان كرامتي وتنتهك حرمتي وأبقى صامتة. فأنا قادرة ولست عاجزة عن فضحه».
أما “روزيت 26 عاماً” فتطالب برفع قيمة الغرامة المادية للتحرش اللفظي. بحيث تكون أكثر من 500 ألف ليرة كي لا يتساهل القانون مع المتحرش. أما بالنسبة للتحرش الجسدي فترى “روزيت” أن المتحرش جسدياً يحتاج لعلاج نفسي خلال فترة سجنه.مشيرة إلى أنها في حال تعرضت لحادثة تحرش بنوعيها فأنها لن تسكت».
القانون لايكفي يجب أن يدعم المجتمع المتحرش بهن
لايكفي تعديل القانون لإنصاف الضحايا بل يحتاج الحل وفق من استطلعنا رأيهم لحاضنة مجتمعية للمتحرش بهن. وتسهيلات على صعيد تقديم الشكوى.
يقول “نافع 29 عاماً” أن مطالبة الشاب أو الفتاة بفضح المتحرشين دون خوف. يحتاج في البداية إلى إعادة تأهيل لبعض المجتمعات وتغيير بعض أفكارها التي ترى في الموضوع عيباً.
ويضيف لـ سناك سوري: «الحديث عن حادثة تحرش في بيئة غير سليمة يمكن أن يواجه بردات فعل توازي في قسوتها فعل التحرش».
ويرى الشاب أن القوانين دون وعي وإجماع شعبي عليها لن تكون رادعة بالشكل الكافي. مشيراً إلى أهمية أن تكون عقوبة السجن بمثابة بيئة إصلاحية للفرد. وعدم الاكتفاء بسجنه فقط وإلا فسنحصد المزيد من الأشخاص الخارجين عن القانون.
مدة السجن منطقية ويسمح للقاضي تقديرها لعدة عوامل. ترتبط بطريقة اللمس أو التحرش وسمعة الجاني. المحامي محمد زاهر باكير
التحرش بالقانون… خلل في الحشمة والحياء العام
يلفت المحامي “محمد زاهر باكير” أن القانون السوري يسمّي التحرش في مواده “خلل في الحشمة والحياء العام” وبحسب المادتين 505 و506 فعقوبة التحرش المادي سواء الملامسة أو المداعبة هي السجن من ثلاثة أيام إلى سنة ونصف كحد أقصى. أما التحرش اللفظي فعقوبته غرامة 75 ليرة أو السجن أو كلاهما معاً.
ويعتبر “باكير” أن مدة السجن منطقية ويسمح للقاضي تقديرها بناء على عدة عوامل. ترتبط بطريقة اللمس أو التحرش وسمعة الجاني.
http://https://www.youtube.com/watch?v=obEjTcClT7w
ويوضح المحامي أن التحرش اللفظي نوعان الأول عرض منافٍ للحياء كطلب ما. والنوع الثاني هو التفوه بكلام يخدش الحياء كما يعرف بالتلطيش أو أي كلام بذيء.
وينوه إلى أن التحرش بالقاصر لا يحتاج لادعاء شخصي منها. ويمكن لأي شخص من العامة أن يرفع الادعاء. أما التحرش بغير القاصر فالادعاء شخصي حصراً. لافتاً إلى القانون بحاجة لتحديث في هذه الفقرة حتى يصبح بإمكان أي شخص كان شاهداً على حادثة تحرش تحريك الادعاء والشكوى. مبيناً أن هناك نساء يخفن من الشكوى لأسباب كثيرة منها المجتمع.
كما طالب “باكير” بتعديل المادة 506 التي تنص أن التحرش غرامته 75 ليرة سورية. داعياً لزيادة الغرامة بحيث تصبح متناسبة مع الأوضاع الراهنة مع إقرار تعويض بحق المُجنى عليه.
التحرش بالقاصر لا يحتاج لادعاء شخصي منها. ويمكن لأي شخص من العامة أن يرفع الادعاء. أما التحرش بغير القاصر فالادعاء شخصي حصراً.
ضرورة الشكوى
يأتي المتحرش بالجرأة في الإقدام على فعلته من اطمئنانه إلى أن الضحية لن تصرخ أو تفضحه أو تشتكي عليه. ويعتمد على ذلك في التمادي بفعلته. علماً أن مواجهته وفضح أمره سيكشفان ضعفه وإدراكه أنه يرتكب جريمة حقيقية. ولعلّ عدة أمثلة جرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي حين نشرت نساء رسائل المتحرشين وضعتهم في حالة من الذعر وأظهرت حقيقتهم الأخلاقية. ما قد يكون عاملاً مشجعاً للنساء على ألّا يسكتن عن التحرش. وحتى تقديم الشكوى ولو كانت الغرامة أو العقوبة بسيطة بحق المتحرش لكن عقابه الاجتماعي وتلوّث سمعته بوسمه كمتحرش سيكون أقسى من عقوبة القانون.