الرئيسيةسناك ساخر

افتتاح فندق سميراميس: حين يُقص شريط الرفاهية وتُطوى حياة في الخيام

افتتاح فندق فخم في دمشق يعيد تعريف الأولويات في بلد يعجز عن تقديم الرعاية الطبية لوليد جديد في خيمة!

بينما تزداد تهديدات فقدان الحياة للنساء الحوامل في مخيمات شمال غرب سوريا، وفيما كانت معظم ربات المنازل يبدعن في وصفات “المجدرة بلا عدس”، كان وزير السياحة “مازن الصالحاني” يقص شريط افتتاح فندق “رويال سميراميس” من فئة الخمس نجوم، وسط أجواء فاخرة تليق بالعاصمة دمشق.

سناك سوري-متابعات

الافتتاح تم بحضور رسمي رفيع، ضم وزيري النقل والاتصالات وعدداً من معاوني الوزراء وسفراء ورجال أعمال، في مشهد بدا أقرب إلى لوحة من كتاب التنمية السياحية، منه إلى يوميات المواطن السوري.

وفي تصريح نقلته جريدة “الوطن“، قال وزير السياحة إن «افتتاح فندق سميراميس يعتبر باكورة الافتتاحات الجديدة المقررة خلال الفترة القادمة»، مضيفاً أن «افتتاح الفندق في هذه الفترة مقدمة لافتتاحات أخرى بأحدث المواصفات العالمية في عدد من المحافظات».

ويبدو أن الحديث عن “المواصفات العالمية” بات لازمة رسمية لا تتغير، حتى لو اقتصرت استفادة المواطن العادي منها على رؤية واجهات الفنادق من الخارج، أثناء بحثه عن نقطة إنترنت أو شاحن لهاتفه أو رغيف خبز لأطفاله.

وأكد الوزير أن الوزارة تعمل حالياً على «تسهيلات لجذب المستثمرين، من خلال مبدأ النافذة الواحدة، وتعديل قانون الاستثمار، وجملة من الإعفاءات الجمركية والضريبية»، في وقت يئن فيه المواطن تحت وطأة ضرائب غير معلنة على كل تفاصيل حياته اليومية، بدءاً من الغاز وصولاً إلى كيلو البندورة.

وعن المشروعات المتعثرة، أوضح الصالحاني أنه «يتم العمل على معالجة المعوقات التي تواجه هذه المشروعات»، دون توضيح ما إذا كانت هذه المعوقات تتضمن انقطاع الكهرباء اليومي، أو انهيار القدرة الشرائية، أو تقنين المياه.

خمسة ملايين سائح.. وحلم لم يزل حياً

الوزير لم يخفِ طموحه بمستقبل سياحي واعد، متوقعاً أن يزداد عدد السياح القادمين إلى سوريا خلال العام القادم إلى الضعف، ليصل إلى خمسة ملايين سائح ومغترب خلال الصيف القادم، وبهذا يكون سقف الأحلام قد تجاوز الأسقف الاسمنتية المتشققة في المناطق المنكوبة، صاعداً نحو نوافذ الفنادق ذات الزجاج المزدوج العازل للصوت والواقع.

كما أشار الصالحاني إلى “ملتقى استثمار سياحي قريب” سيتم من خلاله عرض عدد من المشروعات لجذب المستثمرين، وهو ما قد ينعش الآمال في قطاع الضيافة، ولو من باب الضيافة الرسمية فقط.

مطاعم آسيوية وإطلالة على جبل قاسيون.. من فوق

من جانبه، اعتبر مدير عام الفندق “جيل بوجي” أن افتتاح الفندق ضروري «بعد التغيير الذي شهدته البلاد وقدوم العديد من الوفود الأجنبية والعربية إلى سورية»، في تصريح قد يبدو غير مألوف لدى من ينتظر أن يرى هذا التغيير، من زاوية جديدة بعيداً عن الفقر وتقنين الطاقة والموارد.

وقال بوجي إن الفندق يضم 118 غرفة وجناحاً “مطلّة على معالم مركز المدينة ودمشق القديمة وجبل قاسيون”، مقسمة إلى غرف “ديلوكس”، و”رجال أعمال”، و”أجنحة فخمة”، في وقت ما زالت فيه آلاف العائلات تعيش في مخيمات أو غرف إسمنتية دون شبابيك، ولا تملك ترف التطلّع إلى قاسيون، إلا إذا صعدت على السطح لالتقاط الإشارة.

ويضم الفندق عدداً من المطاعم، منها “توابل” الذي يقدم مأكولات عالمية “بنكهة سورية”، ومطعم آسيوي باسم “ماركو بولو”، إضافة إلى تراس على السطح ونادٍ رياضي ومسبح صغير، وقاعات للاجتماعات والمؤتمرات، منها “نينوى” و”كولومبوس” و”ماجلان”، في مزج حضاري يعكس طموح الضيافة، لا الواقع المحلي.

من أبرز ما يقدمه الفندق “نادي الرحّالة”، المخصص للسفراء ورجال الأعمال، لتقديم خدمات تليق بـ”خصوصية هذه الشريحة”، في مشهد لا يحتاج إلى تعليق مواطن جائع، بقدر ما يحتاج إلى مرآة تعكس من هم فعلاً أصحاب “الخصوصية” اليوم.

يُذكر أن فندق سميراميس الأصلي تم بناؤه عام 1950، وكان عندها “معْلماً ثقافياً وسياحياً” يعكس طموح دمشق الحديثة، واليوم، بعد إعادة تأهيله، يعود إلى الواجهة كرمز لما يمكن أن يكون، في بلد ما زالت فيه الأبنية المدمّرة بلا نوافذ، والذكريات بلا كهرباء.

وفي الشمال السوري، لا تُفتتح فنادق بل تغلق الأبواب على مأساة نساء المخيمات الحوامل المهددات بالموت بسبب نقص الرعاية الطبية، وارتفاع تكاليف الولادة، وندرة المشافي، وفق تقرير نشره موقع قناة DW الألمانية، وبينما تنعقد الاجتماعات في “نادي الرحالة”، تُولد الحياة هناك بلا حاضنة، إنما خيمة قد لا تقي من العراء.

اليوم تبرز الحاجة لإعادة النظر في ترتيب الأولويات، فهل يكفي تحسين صورة البلد في عيون الزائرين، بينما لا يزال الكثير من أبنائه ينتظرون مقوّمات الحياة الأساسية؟

زر الذهاب إلى الأعلى