إساءات بالجملة للنساء في تقرير صحفي… يصف دمشق بعاصمة المومسات
تعميم وتنميط .. ووسم النازحات بأنهن يرقصن من أجل المال
عنونَ أحد المواقع الإلكترونية السورية مادةً له بعبارة “دمشق بعد منتصف الليل .. عاصمة المومسات” في مقالٍ حافل بالتعميم والتنميط. وبالانتهاكات والإساءات بحق النساء السوريات. ورغم مضي أسبوع على نشره وما اعتبر من إساءات أصر الموقع على عدم التصحيح لناحية التنميط والتعميم على الأقل.
سناك سوري _ وائل محسن
ولتدعيم المقال تم نشر مقطع مصور يحمل العنوان ذاته يتضمن لقطات مقتطعة من ملاهٍ ليلية ولقطات من شوارع العاصمة السورية. على أنه الدليل على صحة ومصداقية المقال الذي تضمّن شهادات مكتوبة لشهودٍ لم يظهر لهم صوت ولا صورة يتحدثون بتفاصيل أقرب لرؤية المسلسلات الدرامية لعالم الملاهي الليلية.
تبدأ إساءات المقال من العنوان. إذ قبل صاحب المقال أن وصف “دمشق” بعاصمة المومسات. لمجرد وجود ملاهٍ ليلية وبيوت دعارةٍ فيها. علماً أن كل عواصم بل ومدن العالم تحتضن هذا النوع من الأعمال سواءً بالعلن أو بالخفاء. دون أن يجعل منها أحد عاصمة للمومسات. وربما يتجسّد المثال الأكبر في العواصم الأوروبية كـ هولندا التي ينتظم فيها العمل بالدعارة دون أن يكون عنواناً لتسميتها والتعميم على وصفها بهذا الأسلوب.
الإساءة للمدينة وتاريخها وللنساء السوريات لا تقف هنا. فبعد اعتبارها عاصمة للمومسات لمجرد وجود “كباريهات” في أحيائها. تبدأ رحلة التفاصيل حين يقول كاتب المقال أن «معظم المومسات من المراهقات والعديد منهن نازحات من محافظات أخرى يرقصن من أجل النقود ويمارسن الجنس لقاء مبالغ مادية».
وهنا تظهر النظرة التنميطية المسيئة التي تتهم “النازحات” ببيع أجسادهن لقاء المال فقط لأنهن “نازحات” وفقراء بطبيعة الحال. بطريقة تعميمية لا تراعي الظروف التي أدت لنزوح النساء ولا معاناتهن في المناطق التي نزحوا إليها. وكفاحهن لمواجهة الوضع الراهن رغم كل المصاعب. بل يجعل منهن مومسات اخترن الطريق الأسهل لكسب المال.
ينقل الكاتب عن شخصية باسم “أم هبة”. والمفهوم أنها لا تريد الكشف عن اسمها الصريح. لكن المقال يعرّف عنها بأنها من “دير الزور” ويقول أنها مصابة بالسكري فلجأت بعد 3 أشهر من نزوحها إلى “دمشق” لإشراك ابنتها في أعمال الدعارة.
ثم يخلط الكاتب بين المشاهد التي يزعم نقلها من داخل “الكباريه” وبين حديث “أم هبة” له. ويضفي على ذلك نكهة درامية أشبه بالأعمال الروائية من نقل مشاهد واقعية.
الإصرار على التنميط
وفي الفقرة التالية يعود الكاتب ليقول أن أحد ملاهي “جرمانا” يشهد عرضاً مسرحياً على الطراز الديري. في تكرار واضح لتوجيه السهام إلى “دير الزور” دون توضيح السبب وراء ذلك. وهو ما سيكرره مرة ثالثة حين يقول أن إحدى الراقصات اللواتي التقاهن تنحدر من مدينة “الميادين” بريف “دير الزور”.
ويتابع الحديث بالإشارة إلى وجود رواد عرب من “لبنان” و”السعودية” وغيرها لهذه الملاهي. ويمارسون الجنس مع الفتيات بمبالغ زهيدة مع ربط ذلك بالوضع الاقتصادي الراهن. إذ ينقل عن أحد المصادر المزعومة قوله أن تدفق الفتيات في شوارع دمشق سينخفض بمجرد تحسن الظروف في الوطن.
انتهاكات بالجملة
حمل المقال كمّاً واسعاً من الإساءات للنساء. وحديثاً عن “الدعارة” التي تعد أقدم مهنة في التاريخ. والتي كانت بالمناسبة منظّمة بالقانون في “سوريا” في ثلاثينيات القرن الماضي. قبل أن يتم منعها رسمياً بحكم القانون. بطريقة تحمل قدراً كبيراً من الاستعلاء الأخلاقي والتفريق الطبقي والمناطقي والذكورية في تناول قضية تخص النساء. حتى وصل به الحال إلى وصف “دمشق” بعاصمة المومسات لقاء 50 دولار على الأكثر تقاضاها الكاتب مقابل مقاله.
اختلاق المحتوى والتسييس
يذكر أنه درجت في سوريا مؤخراً صحافة اختلاق الضيوف على أنها “قصة صحفية”. حيث يجلس بعض الصحفيين/ات خلف أجهزتهم المحمولة. ويفترضون إجابات الضيوف ويضمنونها في موادهم دون أن يبذلوا جهداً في النزول للشارع.
ولا تغيب أيضاً صحافة التسييس والإساءة عن الأذهان والتي تقوم على تنميط المناطق بحسب خلفيات سياسية. فتوسم منطقة بالشبيحة. وأخرى بالإرهابيين وأخرى بالانفصاليين وأخيراً وليس آخراً “بالمومسات”. وكل هذه سببه شيطنة كل جغرافيا لا تسيطر عليها السلطة التي تمول هذه الوسائل أو تدعمها.