أسعد الشيباني أكثر من وزير خارجية .. أدوار واسعة لظل الرئيس
من أبو عائشة إلى الأمانة العامة للشؤون السياسية .. الشيباني بين نجاحات الدبلوماسية وزلّات اللسان

لا يزال الدور الذي يلعبه وزير الخارجية “أسعد الشيباني” في كواليس السلطة السورية غامضاً، خارج إطار مهمته الوزارية التي لم يكتفِ بها وبات حاضراً في العديد من الملفات التي لا تقع ضمن صلاحيات موقعه الرسمي.
سناك سوري _ زياد محسن
برز اسم “أسعد الشيباني” بعد سقوط نظام “بشار الأسد” في 8 كانون الأول، وظهر بشكل معلن بعد سنوات من العمل السري واستخدام الأسماء المستعارة التي كان يعرف بها مثل “أبو عائشة” و”زيد العطار” و”حسام الشافعي”.
الشاب المنحدر من “الحسكة” كان واحداً من المؤسسين الأوائل لـ”جبهة النصرة” عام 2012 التي تحوّلت لاحقاً إلى “هيئة تحرير الشام”، ما يشير إلى معرفته القديمة بالرئيس السوري الحالي “أحمد الشرع”، والذي كان قائداً للجبهة وللهيئة لاحقاً.
وبينما كان “الشيباني” قبل الثورة خريج قسم اللغة الإنكليزية من جامعة “دمشق”، فقد انتقلت توجهاته إبان العمل مع “الهيئة” إلى المسار السياسي والدبلوماسي فدرس الماجستير وحصل على شهادته في العلوم السياسية والعلاقات الخارجية من جامعة “صباح الدين زعيم” التركية عام 2022.
في هذه الفترة كان “الشيباني” يلعب دور الذراع الدبلوماسية للهيئة ولقائدها تحديداً، ومن المهمات البارزة التي نجح بأدائها بحسب مركز “جسور” للدراسات، أنه أجرى لقاءً عام 2017 مع الدبلوماسي البريطاني “جوناثان باول” الذي يتولى العديد من القنوات الخلفية للتفاوض مع الجماعات التي تصنّف “إرهابية” على المستوى الدولي أو الوطني بحسب المركز. علماً أنه يشغل حالياً منصب مستشار الأمن القومي البريطاني والتقي مع الشرع والشيباني في دمشق يوم ٥ آب الجاري.
كما أن اسم “الشيباني/زيد العطار” سيظهر عند الحديث عن اللقاء الذي أجراه “الشرع/ الجولاني” في كانون الثاني 2021 مع إعلاميين غربيين بينهم الصحفي الأمريكي “مارتن سميث” الذي نشر صورة ظهر فيها “الجولاني” للمرة الأولى ببدلة رسمية، ما اعتبره مراقبون إشارة على محاولات “الهيئة” تغيير صورتها دولياً وإزاحة صفة “الإرهاب” عن نفسها.
الشيباني بعد سقوط النظام
كان “الشيباني” رئيساً لإدارة الشؤون السياسية في “هيئة تحرير الشام”، وحافظ على المنصب ذاته مع مشاركته في تأسيس “حكومة الإنقاذ” عام 2017، حيث لم تكن هذه الحكومة تضم منصب “وزير خارجية” خلال سنوات تواجدها في “إدلب”.
وبعد سقوط نظام “بشار الأسد” وانتقال حكومة “الإنقاذ” إلى “دمشق” لتتكلف بتسيير الأعمال، اختارت قيادة العمليات العسكرية “الشيباني” لتولّي حقيبة الخارجية في 21 كانون الأول 2024، وقد استمر في الموقع ذاته حين تشكّلت الحكومة الحالية في 29 آذار 2025، كما اختاره الرئيس “الشرع” عضواً في مجلس الأمن القومي منذ 12 آذار 2025.
هل الشيباني وزير خارجية .. فقط؟
أظهر “أسعد الشيباني” منذ توليه حقيبة الخارجية نشاطاً ملحوظاً مع جولات خارجية واسعة وزيارات متواترة لدول المنطقة والعالم، وحضوره في محطات استحوذت على الأصداء الإعلامية مثل رفعه العلم السوري أمام مقر الأمم المتحدة في نيسان الماضي.
بدا الوزير ساعياً بأقصى طاقته لإثبات دور قوي لوزارته في المرحلة الانتقالية للبلاد، على صعيد إعادة العلاقات مع الخارج وإظهار وجه جديد للدبلوماسية السورية ما بعد “نظام الأسد”، وتغيير تموضعات “دمشق” على مستوى السياسة الخارجية والتحالفات الإقليمية والدولية.
تحرير المخطوف .. وحكم الأقليات
مع مراعاة أن “الشيباني” يخوض تجربته الأولى كوزير للخارجية أتى من خارج ملاك الوزارة وتدرجاتها الوظيفية، فإنه لم ينجُ من زلّات في خطاباته أخذت عليه كنقاط سلبية من المفترض ألّا تخرج عن وزير خارجية.
التصريح الأول كان في شباط الماضي لدى حضور “الشيباني” ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات في “دبي” حين قال ( نحن حررنا الشعب السوري وإذا حررت خطيفة أو مختطفاً من خاطفه فلا يمكن أن يسألك بعد ذلك إلى أين ستأخذني).
وهو التصريح الذي أشعل الكثير من الجدل، حول إقرار مضمون العبارة المتداولة “من يحرر يقرر”، بمعنى أن بإمكان السلطة الحالية أن تفعل ما تشاء دون مساءلة نظراً لأنها حررت “الشعب السوري” من النظام السابق، الأمر الذي يرفضه كثيرون ويدعون لأن تكون أي سلطة تحت طائلة المحاسبة والمساءلة عن أفعالها وعدم تكرار تجربة الحكم الشمولي الذي لا يعير وزناً للقانون ويعتبر أن من حقه فعل ما يريد.
التصريح الثاني كان في آذار الماضي، خلال كلمته أمام مؤتمر “بروكسل” للمانحين، حين قال أن 54 عاماً من حكم الأقلية أدت إلى تهجير أكثر من 15 مليون سوري ومليون ضحية وقمع الأقليات الأخرى، حيث انتقد كثيرون مضمون التصريح لافتقاده للدقة من جهة ولاعتباره طائفياً من جهة أخرى، إذ لم يكن نظام “الأسد” محصوراً بطائفة واحدة في مناصبه وأركانه، كما لم يكن قمعه وبطشه وظلمه مقتصراً على طائفة واحدة أيضاً، إذ كان مستعداً لقمع أي مخالفٍ له مهما كانت طائفته أو انتماؤه.
أما ثالث التصريحات المثيرة للجدل، فكان في 31 تموز الماضي أثناء مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الروسي “سيرغي لافروف” في “موسكو” حين قال أنه لا يوجد خطة أو نية لدى الحكومة لإبادة “الدروز” في “السويداء”، وأن حمايتهم مسؤولية الدولة.
وقد فتح هذا التصريح باباً واسعاً من الجدل في خضم الأحداث القائمة من “السويداء”، والمخاوف القائمة أصلاً بعد ما جرى في المحافظة من انتهاكات، والتحذيرات من استهداف السكان على أساس طائفي على غرار ما حدث سابقاً في الساحل السوري.
ماذا يفعل الشيباني؟
اللافت في مسيرة “الشيباني” أن دوره كما يظهر، لا يقف عند حدود وزير الخارجية، حيث يحضر في مناسبات لا تتعلّق بعمل وزارة الخارجية، فهو الرجل الوحيد الذي كان إلى جانب الرئيس “الشرع” عند توقيع الإعلان الدستوري، وفي مراسم تسليم نتائج عمل لجنة تقصي الحقائق بأحداث الساحل.
لكن الوزير الذي يشغل عضوية “مجلس الأمن القومي”، أعاد التذكير بمركزه السابق حين أصدر في آذار الماضي قراراً بإحداث “الأمانة العامة للشؤون السياسية” ضمن الوزارة، ومهمتها الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية داخل “سوريا”، إضافة إلى إعادة توظيف أصول حزب “البعث” وأحزاب الجبهة، وما يتبع لها بما يخدم المسؤوليات والمهام السياسية والوطنية.
وقد أثيرت علامات استفهام واسعة حول مهام وصلاحيات “الأمانة”، والتي أعادت التذكير بأدوار فروع حزب “البعث” في المحافظات التي كانت الحاكم الفعلي لعمل مؤسسات الدولة.
وزارة الخارجية في عهد “الشيباني” واظبت على نشر بيانات ومواقف من القضايا الداخلية مثل بيان إدانة منع دخول قافلة إنسانية إلى “السويداء” أو لقاء الوزير “الشيباني” بفريق بحث “مجزرة التضامن”، وهي قضايا داخلية من المستغرب أن يصدر الموقف بشأنها عن وزارة الخارجية.
“الشيباني” الذي يلازم الرئيس “الشرع” في الظهور الإعلامي، مثل المقطع الذي جمعهما معاً أثناء لعب كرة السلة، أو تناول كأس شاي في “بلودان”، يبدو أكثر من وزير خارجية ويبدو دوره داخل السلطة السورية أكبر من من مهام وزارته، ويتعدّى نشاطه الفعلي دوره المعلن عنه والمنصوص عليه كوزير للخارجية.