أنت من جوا أو برا السور؟.. سؤال بين المزح والتمييز في دمشق
ما رأيكم بهذا السؤال وهل تعرضتم له؟
سناك سوري – عمرو مجدح
اذا كنت دمشقي أو من سكان العاصمة السورية القدامى، فربما يكون قد وجه لك من قبل سؤال (أنت من داخل أم خارج السور؟) في إشارة إذا كنت من أهالي “دمشق” الأصليين أم لا، على الرغم مما صرحت به الأديبة السورية العتيقة “كوليت خوري” قائلة: «لست مضطراً أن يكون عمر أجدادك خمسة آلاف سنة حتى تكون دمشقي يكفي أن تعيش فيها ثلاثين سنة وتتعمد بروحها فهي مدينة لا تعرف التعصب».
يقصد بـ”السور” ذلك السور الأثري العتيق الذي يحيط بمدينة “دمشق” القديمة الذي شيّد في العهد الآرامي وطور على يد اليونان في العهد الهيليني، يضم السور قلعة “دمشق” وأبواب “دمشق” السبعة وبرجي “نور الدين” و “الصالح أيوب”.
يرى البعض في طرح السؤال حول السور نوعاً من التمييز، بينما يؤكد البعض الآخر أن السؤال ليس أكثر من مجرد فضول وطرفة وليس المقصود به التمييز ولكن ماذا تخفي تلك المزحة خلفها؟.
يقول “أدهم إبراهيم” (كنية مستعارة) من سكان حي “الميدان” في مدينة “دمشق” لـ سناك سوري: «لقد تعرضت لهذا السؤال كوني أنتمي إلى حي “الميدان” الذي يقع خارج السور، رغم أن العديد من العائلات تزيد أعمارها عن مئات السنين فمثلاً عمر بيت أجدادي في “الميدان” يتجاوز مئتي عام وهناك قيود للعائلات الميدانية من قبل الاحتلال العثماني في “سوريا”».
اقرأ أيضاً: بيت لزبونا ….. أحد أهم قصور يهود الشام
يشار إلى عائلات “داخل السور” بالخانة التي وضعت على بطاقاتهم الشخصية فكلما اقترب الرقم من “1” كلما زاد تفاخر البعض، يقول “إبراهيم” لـ سناك سوري أن بعض الشوام يبالغون بالتفاخر لدرجة أنهم يرفضون الاعتراف وإطلاق مصطلح “الشامي” أو “الدمشقي” على الكثير من العائلات التي تقطن “دمشق”، مؤكداً أن العديد من الأهالي داخل السور يرفضون هذا التقسيم أو التصنيف “جوا وبرا” مشددين أننا جميعا ًأهل الشام.
يرى ” طارق محمد” (كنية مستعارة) الذي ينتمي إلى حي “ساروجة” الدمشقي والذي يعد خارج السور أيضاً أن السبب الرئيسي خلف السؤال هو الفضول ويقول: «هذا السؤال لم يعد مطروحاً بالشكل القديم لدى الجيل الحالي من الشباب إلا على سبيل الدعابة وربما الاستفزاز»، ويضيف: «”ساروجة” الأقرب لأحياء “دمشق” القديمة داخل السور، وبها تنوع سكاني بينما كانت مناطق مثل “الميدان” و”الصالحية” تعتبر بعيدة نسبياً وأعتقد يمكن معرفة أصول السكان من خلال كنية العائلات التي غالباً ما تحمل أسماء محافظات أخرى».
تنتمي الصحفية “راما بحصاص” إلى حي “القنوات” بالشاغور داخل السور وتتذكر ذلك السؤال “أنتِ من جوا ولا برا السور. وشو خانتك؟” الذي باغتها به شاب كانت على وشك الارتباط به مستغربة من أنه مازال متمسكاً بتلك الأفكار رغم دراسته واقامته خارج البلد، وتقول لـ سناك سوري: «القصة متشعبة هناك تشدد عند البعض حتى في الزواج بين العائلات داخل وخارج السور ويقال في بعض المجالس بنوع من التفاخر “نحنا كنا نربط الخيل عندن” في إشارة لطبيعة عمل الأهالي خارج السور قديماً وهكذا يفضل الزواج حسب الأصل كما يتفاخرون بالأملاك العتيقة المتوارثة التي تدل على تاريخ العائلة في دمشق».
وعن التصنيفات “جوا وبرا” تقول الاختصاصية النفسية ومدربة التطوير والتنمية الذاتية “هبة موسى” لـ سناك سوري: «للأسف هذه التصنيفات مازالت موجودة إلى حد ما، وإذا لم تظهر للعلن ستبقى موجودة حتى بعد مئة عام في الحقيقة لست ضد الحفاظ على خصوصية كل مدينة وعاداتها وعائلاتها إنما ضد طريقة التصنيف والتفرقة، يجب أن تكون ضمن قالب إنساني وأخلاقي وفي كل مكان بالعالم العربي توجد هناك المناطقية بداية من فكرة “الريف والمدينة”. و”برا وجوا” هي حكاية تاريخية وفلكلورية جميلة إلى حد ما».
تضيف حول طريقة طرح السؤال بالمزح قائلة: «بالأمزاح تشفى الأرواح، المزح هو آلية دفاعية نفسية، الحالة الإيجابية فيها التنفيس عن الضغوط والوجه الآخر استعماله من شخصيات غير قادرة على توجيه الكلام بشكل مباشر أو لديها رواسب اجتماعية قديمة فتجد في قالب المزاح طريقاً حتى تظهر هذه الرواسب وهؤلاء يضرون أنفسهم أولا ثم من حولهم، كما أن آلية ولغة جسد الشخص الصادر عنه السؤال لها تأثير على مدى تقبل الآخر للسؤال».
مدربة مهارات الحياة “ديما سليمان” تصف المتفاخرين بأصحاب الذات الزائفة، وتضيف لـ سناك سوري: «الأشخاص الذين يشعرون بحالة التفوق على الآخر بالعرق أو الطائفة أو المناطقية هؤلاء بعيدين عن الروحانية ويعيشون على الذات الزائفة المنفصلة عن الواقع».
اقرأ أيضاً: “عيرني كتفك” … العادة التي لا يتقنها إلا الدمشقيون
توسع مناطق خارج السور تاريخياً
الأسوار التي وجدت لحماية دمشق تحولت إلى أداة تمييز عند البعض، الباحثة بالتراث الدمشقي “نبيلة القوصي” في موقع نسيم الشام المتخصص بالحديث عن أعيان ومعالم الشام كتبت فيه عن الأسوار وقالت :«أن الأسوار وجدت حول المدن لحمايتها من الهجمات الخارجية وهو أسلوب اتبعه اليونان وعندما سيطر الرومان على “دمشق” عام 64 ق.م عمدوا إلى تجديد الأسوار وإعادة بنائها فأحاطوا المدينة بسور حجري تضمن سبعة أبواب نسبة للرقم (7) وهو رقم ذو قدسية عند كثير من الشعوب».
وتضيف: «شهدت مدينة “دمشق” القديمة توسعات كبيرة على مر العصور وتربط “القوصي” بين انتشار الجوامع في عدة مناطق والتوسع السكاني في خارج السور بعد أن كانت خطبة الجمعة محصورة بالجامع الأموي»، وتوضح أن عملية إعمار المناطق خارج السور كانت نتيجة ازدياد عدد السكان والازدهار الاقتصادي.
بينما يصف الباحث “أحمد بوبس” في كتابه “حي الميدان الدمشقي” الذي اطلع عليه سناك سوري حي “الميدان” بأكبر الأحياء مساحة وسكاناً، «وأقدمها خارج السور، إذ تعود بداياته الأولى إلى العصر الأموي، مشيراً إلى أن أرض الحي كانت ميداناً لسباقات الخيل والفروسية، وكان يخيم بأرض “الميدان” منذ ذاك العصر زوار المدينة كالقوافل التجارية والقادة والأمراء وقد شكَّلت هذه المخيمات النواة الأولى لبناء هذا الحي العريق».
يذكر “بوبس” أن الحي لم يظهر بشكل واضح كمنطقة سكنية إلا في العهد المملوكي الذي امتد زمنياً من سنة 1260 إلى سنة 1516 ومع دخول الاحتلال العثماني إلى “دمشق”، شهد حي “الميدان” توسعاً كبيراً، نتيجة زيادة عدد سكانه وأخذ الحي شكله النهائي تقريباً.
وأنتم ما رأيكم بهذا السؤال وهل تعرضتم له؟
اقرأ أيضاً: الشام القديمة تتجول في ألمانيا.. هكذا نقلها محمد الناطور