شائعات.. الغاية لا تبرر الوسيلة – ناجي سعيد
حين تُقتطع أخشاب أرجل الكراسي من عظام الجائعين!
سناك سوري-ناجي سعيد
اعتمد العالم “ابراهام ماسلو” شكل الهرم في نظريته عن الحاجات البشرية، للإشارة إلى أهميّة ترتيب أولويّات الحصول على هذه الحاجات، وهذا الترتيب ليس حتميًا بالضرورة. فلا يمنع الجائع مثلاً، أن ينتمي أو يحقّق ذاته، لكن يعيب تحقيق هذه الحاجات (الإنتماء وتحقيق الذات)، أن يكسوه نسبيًّا حاجة الجوع. فيضاف النقص (في تحقيق حاجة الجوع هذه)، ليصبح شريكًا في رسم الهدف لتحقيق حاجات أخرى بشكلٍ مختلف عن الحالة الطبيعية.
وهذا ما يُظهِر “العنف”بصورة ردّة فعل طبيعية، فيصبح الهدف من الإحتجاج المشروع والمُحقّ مُغلّفًا بالعنف، وهذا العنف يحجب مشاهدة الهدف النبيل بشكل صحيح من قِبَل المشاركين بالإحتجاج وغير المشاركين.
والحالة تشبه بكاء الطفل الذي يصمّ آذان أهله، للحصول على “طلب” مُعيّن، وتكون ردّة فعل الأهل تلبية هذا الطلب، ليس اقتناعًا به، بل درءًا للضجّة التي تفضح سوء تربيتهم، فيحصل الطفل على معلومة خاطئة، وهي أن البكاءَ سلاحٌ (يشبه العنف) يمكن استخدامه للحصول على الطلبات مهما كانت.
بالإضافة إلى أن هذا، لا يأخذ بعين الإعتبار المعايير التربوية الإنسانية للحصول على الطلب. فتنحصر الإشكالية في الحصول على النتيجة، ولا يهمّ معرفة ونقاش المسار الذي يؤدّي إلى الهدف. وهذا ما يُغذّي النهج العنفي لتحقيق المطالب.
ويرتكز هذا النهج على النفعية التي تنمو من خلال التركيز على سرعة تحقيق الهدف. والسرعة هي المعيار الكمّي الذي يتصدّر فكرة النجاح ويلبسها ثوبًا فرحًا احتفاليًّا يعمي البصيرة عن رؤية المعيار النوعي، الذي يهتمّ بأخلاقيّة السلوك للحصول على الأهداف المطلبيّة.
وكما قال المهاتما غاندي: “الغاية لا تُبرّر الوسيلة”. وبذكري للمعيار الكمّي، وكيف يسيطر على تفكير الناس وسلوكها، يستحضرني ردّات فعل الكثير من الأصدقاء -حين كنت طالبًا في معهد الفنون الجميلة- التي كانت تصدمني، وأنا أنتظر منهم تقديرًا على جمال نوعيّة ما أرسم، فما ألقى منهم إلا اهتمامهم الكمّي الذي يتجسّد بسؤالهم الفوري العفوي: “واااو قدّيه أخدت معك وقت تا ترسمها؟..” وكنت حينها لعدم نضجي في صوغ جواب يعبّر عن استيائي لمحدوديّة فهمهم لعالم الفنّ وتقديره، أكظم غضبي وأقمعه عن الظهور لإهتمامي حينها بتكوين صداقات تسهم في تحقيق جزء مهمّ من شخصيتي، وهو الجانب الإجتماعي، وهذا جانب لا يمكنني ان أغفله، لأن الهرم الذي ذكرته أعلاه (ماسلو) قد وضع الحاجات الفيسيولوجيّة قبل تحقيق الذات.
لحظة! وما دخل الحاجات الفيسيولوجية هنا؟ وهل كنت محرومًا من الطعام مثلآً لكي لا أكترث بحاجة تحقيق الذات؟ وأنا أظهرت في حديثي عن معاناتي من ردود فعل أصدقائي، لعدم قدرتي على إفهامهم ما أعتبر أنّهم لا يفقهون به! وذلك تلبيةً لحاجة تقدير الّذات عندي.
والخلاصة هنا إستنادًا للقاعدة العلمية، لا ينبغي أن يستسلم “الثائر” ويسمح للسلطات التدخّل لقلبِ هرم العالِم ابراهام ماسلو! فالثورة المُحقّة وبنظرة علمية، قبل هدفها الإجتماعي -المحقّ أيضًا- هي ثورة علمية تمنع خلل نظرية علمية جهد عالم مختصّ بوضعها وليس هذا هباءًا.
الثورة ليست لعبة، وليست عبثيّة، ولا تحتمل وجود مؤيّد ومعارض لها. وما أقوله، لا يحتمل النقاش النظري ولا “التنظير”، بغضّ النظر عن إحتمال الصواب والخطأ في الرأي والرأي المعارض، “واللّي إيديه بالمي مش متل الايديه بالنار”.. فمن يزور طرابلس مثلاً، المدينة اللبنانية الأصيلة، يخجل برأيه التنظيري على الثورة، حين يعرف أنّ هناك عائلة مكوّنة من أكثر من خمس أشخاص، تقضي نهارها من دون الحصول على القوت، وفعلاً يصحّ القول: “عجبت مّمن لا يجد القوت في بيته ولا يخرج على الناس شاهرًا سيفه”.
أقول هذا وأنا المؤمن بفلسفة اللاعنف، طريقًا أوحدًا للتغيير الذي أحلم به، وأدعو الثوّار إلى التحلّي بالصبر للتأكيد على لاعنفيّة الثورة للوصول إلى نتائج مثمرة تضمن ديمومة واستمرارية تغيير حقيقي، لا يغرق في شعارات رنّانة على شكل وعود “كاذبة” لإمتصاص غضب الشارع، وهذا فعلاً ما ينحوه السياسيون في تصريحاتهم الفارغة التي لا تسمع من الجائع سوى تسكير الطرقات، التي تعترض الذهاب إلى العمل لكسب قوتهم اليومي، فذلك يجعل الناس يستفيقون من سباتهم العميق الذي يضمن خضوعهم لغطرسة فئة تتحلّى بالسرقة ونهب المال العام وتنتهج الفساد كضمانة استمرارية تزعمهم وتربّعهم على كراسي صُنعت عند نجارين، إقتطعوا أخشاب أرجل هذه الكراسي من عظام الجائعين.
اقرأ أيضاً: جرمٌ صغير.. خلّيني ساكت أحسن – ناجي سعيد