الصلح العشائري كأحد خيارات المصالحة والانتقال إلى مابعد الحرب
في درعا التي شهدت تسوية ولم تشهد مصالحة يكاد لايمر يوم فيها من دون عنف
سناك سوري – شعيب أحمد
هناك قاعدة عشائرية في الصلح في “درعا” تقول”«اكسر عظم ولا تكسر عادة»، من هنا فالصلح العشائري القائم على العرف والعادة قانون بحد ذاته، وهو عموماً سيد الأحكام يوقف النزيف ويضمد الجرح، أكثر مما يتصور المتنورون اليوم تحت قبة البرلمان من حاملي راية “القانون المقدس”.
ففي العام 2013 حين أخذت السلفية الجهادية تتمدد في الريف الغربي من “درعا”، وباتت سلطة الحكومة تتقلص شيئاً فشيئاً، التف مثقفون هناك وطالبوا بأن يحل عرف العشيرة محل القانون، قبل أن تتغول التيارات المتطرفة في المنطقة، وجاء ذلك كإجراء أخير يوقف مد المقاتلين الأجانب وسيطرتهم على المنطقة، فطرحوا تشكيل مجموعات مسلحة محلية تمنع تحويل مؤسسات الدولة من مدارس ومشافي ونقاط عامة لمقرات عسكرية، لهذا شُكلت لجان وهيئات إصلاح عشائري لاسترداد الحقوق الواقعة كالدم والعرض والمال وكذلك لحفظ أمن المدن والقرى هناك، ورغم أن الجميع قام بمحاربة القائمين عليها إلا أنها حقنت دماء كثيرة لأبرياء ووأدت فتن جمّة ساهمت في الحفاظ على الأسس الأولى للعقد الاجتماعي بينها وبين الحكومة وكذلك في صيانة التعاضد الاجتماعي بقدر ما.
لربما نتفق جميعاً أن القانون أولى في التطبيق من غيره، لكن في الحالة التي نعيشها في الجنوب اليوم ينبغي علينا الاعتراف أن القانون وحده لم يستطع منذ بدء الحرب أن يطبب الشروخ الاجتماعية، وهذه قاعدة خبرناها جميعنا في السنوات المرّة من الحرب، لكن علينا قبل ذلك أن نعي تماماً أن العرف العشائري ليس بديلاً عن القانون إنما سند له.
فحمورابي أصدر شريعته وقوانينه من العرف العشائري، وأخذت السلطات في “روما” القديمة قانونها الشهير من العُرف والعادة، كما ساد حكم العشيرة العرب قبل الإسلام قروناً طويلة حتى بات القضاء العشائري أول قانون يخضع له العرب، وبالتالي فإن كل من يتمرد على أعراف القبيلة (حتى في الإسلام وفي بعض البلدان المتنورة اليوم) ينبذ ويتم طرده.
اقرأ أيضاً: موجة اغتيالات درعا الأخيرة .. استهداف عميدين وقادة في الفيلق الخامس
من هنا أيها السادة لا محذور من مناقشة صيغ هذه المرحلة التي وصلت بالجميع لهذه الحال من العنف والفوضى وزعامة الأقوى حتى أصبحت مقولة “الإنسان ذئب أخيه الإنسان” تجد مبتغاها المرّ في هذا المكان، فالعنف يدمر كل شيء من حولنا ويستتبع موت عدد كبير من الناس يومياً، ويدفع من بقي حياً للعداء و للاقتتال وحتى ضرب المصالح العامة، فالذين كان من الممكن أن يشتركوا في بناء سوريا سويّاً (بعد اتفاق التسوية والمصالحة الشهير في درعا منتصف العام 2018) أصبحوا اليوم مدافعين أقوياء عن مصالحهم الخاصة، بل والخاصة جداً على حساب مصالح أقرب المقربين فكيف بالمصلحة العامة، فبات الدم يستتبع الدم و الثأر يورث الثأر والحقد ينجب الانتقام.
لماذا لا تلتفت السلطة لعرف العشائر إذاً، لماذا لا تجرب وتضع في خياراتها أن يكون الصلح العشائري في “درعا” صيغة من صيغ المصالحة والانتقال لمرحلة ما بعد الحرب؟
أيها السادة، “درعا” ركيزة “سوريا” في الاستقرار، إن استمرت هذه الركيزة بالقلقلة اعلموا أننا سنبقى مهزوزين ولن ننعم جميعنا بالسلام، لهذا ينبغي أن يتحرك أحد ما ليصلح الوضع، فمنذ بداية العام الجاري وحتى نهاية أيلول شهدت درعاً أحداث عنف أودت بحياة أكثر من 358 إنسان (وفق ما رصده موقع سناك سوري)، نقول ذلك لأن البيئة مناسبة اليوم ومناسبة جداً لصلح اجتماعي تاريخي كبير تقوده العشائر، السلم الأهلي متوقف اليوم على صلح عشائري يدعمه ويمهد له القانون وليس على الأسلوب التقليدي في التعامل مع الوضع هناك، لأنه وبلا مبالغة لم يؤدِ إلى نتيجة مرجوة، فأبناء درعا لازالوا محامين أشداء لإرثهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية، ولازالت العشيرة والعائلة تفرض احترامها عليهم رغم كل الشروخ الاجتماعية التي تركتها الحرب فيهم.
اقرأ أيضاً: درعا: حرب الاغتيالات مابعد التسوية من يقف خلفها ومن هو المستهدف منها؟