الرئيسيةيوميات مواطن

على طريق “السويداء” راح الراتب

تكلفة دوام يوم واحد لموظف الريف ألف ليرة والراتب كم ألف

سناك سوري – رهان حبيب

على الموقف المخصص لانتظار سيارات النقل العامة التي تقلّها لمكان عملها تقف “صالحة” حاملة حقيبتها الصغيرة تتلمّس فيها آخر ماتبقى من الراتب 500 ليرة سورية يتيمة جعلتها تحسب ألف حساب وهي تفكر في وسيلة النقل التي ستوصلها لمكتبها.

خيارات الموظفة التي تنتقل يومياً من قريتها “الثعلة” بريف “السويداء” إلى مكان عملها في إحدى الشركات الإنشائية منذ عشرين عاماً أصبحت معروفة وهي مشكلة مكتسبة انتقلت من الآباء إلى الأجداد وفي مختلف القرى وعانى منها كل من عاش في كنف القطاع العام الرحب الذي لم يتسع لحل مشكلة نقل الموظف من وإلى عمله.

مقالات ذات صلة

مجموعة من العمليات الحسابية التي لم تعد معقدة بالنسبة للموظفة “صالحة” تجريها في الصباح تقول عنها في حديث خاص مع سناك سوري:« أحتاج لتقسيم الـ 500 اليتيمة التي أملكها اليوم مرتين في حال استقليت السرفيس وأربع مرات في حال لم يتوفر إلا الميكروباص ومثلها ونصف في حال انعدمت الخيارات وفي حال بقي من راتبي مايكفي للتكسي ليس رفاهية بكل تأكيد لكن مكره أخاك لابطل».

تعيد “صالحة” على مسامعي هذا الحوار الذي بات من كثرة تكراره مملاً وتقول: «عندما تكون موظفاً وامتلاكك لواسطة نقل يشبه المستحيل فأنت رهين حديث صعوبات النقل في كل صباح فالانتقال من قريتنا يستحق طبعاً يستحق!! أنت تجتاز 12كيلو متر يومياً (هَي قليلة).

وتضيف:«مشوار الصباح الطويل الذي لا يتجاوز 20 دقيقة بالتاكسي يهدر نصف راتبي عن سابق إصرار وترصد، وعلي الانتظار بكل احترام وترقب لأحصل على مكان، وإن فاتتني الفرصة فمكاني على الواقف بالميكروباص لرحلة أطول، ليس لشيء إلا لتجنب نظرات مديري الرايق جداً وإحراج طرق الباب لأتمكن من التوقيع وكلمة الحمد الله على السلامة يا مدام».

تتنهد بعمق وتجيب نفسها بنفسها:«إيه من أين السلامة يا جناب المدير لي ولأمثالي موظفي القطاع العام، عندما أقف من السابعة والنصف وقبلها بقليل على الشارع في كل المواسم والفصول، أبحث عن الظل في الصيف وأحتمي بالمظلة في الشتاء وما بينهما أمر وأصعب يا ريتك يا جناب المدير بدل ما تتحفنا بانتقادك طالبلنا بنقل للعاملين وعلى الأقل تعويض يحفظ كم ألف من الراتب المعتر».

رحلة هدر الوقت كما تصفها “صالحة” لاتنتهي بالخسائر المادية التي تُمنى بها مع كل صباح لكن هناك جانب آخر مهم في هذه المعادلة الخاسرة حيث تقضي يومياً مايقارب ساعة كاملة في انتظار السرفيس لتدفع مبلغ 200 ليرة سورية في رحلتي الذهاب والإياب لأن ركوب سيارة أكثر سرعة يحتاج لمبلغ ألف ليرة سورية يومياً وهو أمر لاقدرة لي عليه فراتبي لايتجاوز 33 ألف ليرة وعليه قرض 10 آلاف ليرة وبالتالي فإن الراتب لايكفيها أجرة مواصلات 10 أيام بالتمام والكمال، مؤكدة أنها تقضي وقتها في رحلة العودة تترقب سرعة السيارة النفاثة التي تقلّها بقلق شديد حتى لا تتأخر على الموعد.

وعلى عكس “صالحة” اختارت “سوسن رشيد” موظفة المالية الخيار الأكثر كلفة متنازلة عن قرابة 10 آلاف لتتعاقد مع سيارة تقلها من قريتها الجنوبية صباحاً وخمسة من السيدات لأماكن عملهن،  خيار يحمّلها عبئاً  كبيراً لكن أمراض الفقرات لا ترحم ولا نية لها للتقاعد المبكر، و هنا تقول: «بكل الأحوال سرعة تبخر الراتب توازي سرعة الصوت ما نجنيه ندفعه على الطرقات والتعب فاتورة مفتوحة ارتفعت أو انخفضت لم يرد ذكرها في ميزانية حكومتنا العتيدة، ليبقى موظف القطاع العام في آخر سلم الأولويات ويمكن مارح نصعد السلم أبداً».

في رحلة الذهاب الصباحية أحاديث وأحاديث لكن رحلة الإياب لزوجين يوقعان على دفتر الدوام بتمام الثالثة والربع هي مشكلة “محمد” الذي بحث عن فرصته لعمل آخر في قريته “مياماس” التي بقيت ميكرو باصات السبعينيات تتمختر على طرقاتها في رحلة بطيئة، ولا بديل لها إلا التكسي المكلفة، ولا سرفيس يقدم الخدمة، حيث تحرمه الرحلة من وجبة الغداء يقول: «كلما تأخرت أعرف أني سأنتظر للمساء لأنعم بوجبة جيدة، نصحتني أمي ما أتزوج موظفة “طبعا قبل علمها بأزمة النقل”، ولم تعش عصرنا لتعرف إن الراتبين مثل خرجية الولد بتروح مئات وآلاف بدون طعم أو فائدة».

يشار إلى أن كافة مؤسسات القطاع العام في “السويداء” أبدت التزاماً منقطع النظير بقرار رئاسة مجلس الوزراء المتعلق بنقل العاملين مع بداية الحرب في “سوريا” ولم تستجب للقرار اللاحق الذي ترك للمديريات حرية القرار في نقل موظفيها والتي استمرت في قرارها بحجة التوفير وعدم توفر الاعتماد المالي اللازم لنقل الموظفين، فيما يتساءل موظف مغمور ياترى التوفير بيشمل سيارات المدراء وزوجاتهم وأولادهم ؟؟

اقرأ أيضاً: نعم معالي الوزير قطاع النقل إلى سوريا بألف خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى