الرئيسية

“سوريا” تقاعد حافلة بعد 40 عاماً من الخدمة يثير موجة حزن لدى ركابها

سوريون ممتنون لحافلة “دير غصن”.. التي رافقتهم في حلهم وترحالهم حزنهم وفرحهم!

سناك سوري-عبد العظيم عبد الله

لم يكن قرار إحالة حافلة قرية “دير الغصن” بريف “الحسكة” إلى التقاعد أصعب ما واجهته ابنة القرية الحاجة “رقية علي”، لكنه بالتأكيد كان أمراً قاسياً أعادها بالذاكرة لسنين خلت، حين كانت تلك الحافلة التراثية المنقذ لها ولجيرانها في حلهم وترحالهم، أفراحهم وأتراحهم.

40 عاماً مضت كانت حافلة “دير غصن” خلالها تقطع المسافات بأهالي القرية وزوارها من وإلى “القامشلي”، كما تقول “علي” مضيفة أن «الرحلة كانت تستغرق وقتاً أكثر من السيارات الحديثة، لكننا كنا نفضله، لأنه يوصلنا مع بضاعتنا إلى دارنا مباشرة، وبمبلغ زهيد، حتى قبل عدة سنوات كانت أجرة الراكب 25 ليرة، وقبل ذلك عشر ليرات، كنا نأخذ كميات كبيرة من المواد الغذائية والتموينية والطيور والخضار والفواكه، بالإضافة إلى أكياس كبيرة من القمح والسكر والرز، هذه المواد يضعها السائق في الباص، دائماً كانت الكراسي ممتلئة، وبعض الركاب يجلسون على القمح والسكر الموجود ضمن الباص، أمّا الأطفال بشكل عام كانوا يجلسون في أحضاننا».

الرحلة بالحافلة القديمة كانت بالنسبة للكثيرين رحلة ترفيهية كما يرى “أحمد محمد”، مضيفاً لـ”سناك سوري”: «غالبية أيام العطل كانت الوجهة نحو قريتنا، فقط لنقضي ساعات طويلة بالطريق إليها، نمر بجانب عشرات القرى، نستمتع بمشاهد الخضار والطبيعة الجميلة».

“محمد” يرى أن «الميزة المهمة جداً في ذلك الباص، أن صاحبه كان ملتزماً جداً بموعد الذهاب والإياب، لا يتأخر أي دقيقة، لكن التأخير كان على الطريق، فمحطات التوقف لا يمكن عدّها، أحياناً كل عدة خطوات يقف من أجل إنزال راكب أو صعود آخر، لكن هذا لم يكن أمراً مملاً بالنسبة لنا».

“يوسف حاجي” صاحب الحافلة اتخذ مؤخراً قراراً بإحالتها إلى التقاعد بعد أن أدت عملها طيلة السنوات الماضية، بالنسبة له كان قراراً صعباً لكن «تعبنا وتعبت الحافلة، كما انتشرت السيارات الحديثة والغالبية باتوا يمتلكون سياراتهم الخاصة، وكان من الضروري أن أريح الحافلة بعد أن أدت مهامها طيلة السنوات الماضية».

اقرأ أيضاً: “في رحاب الجزيرة”.. البرنامج التلفزيوني الذي فرض “حالة الطوارئ” في الحسكة!

لا ينسى “حاجي” اليوم الذي ابتاع فيه الحافلة في «خمسينيات القرن الماضي من مدينة حلب، وعندها خصصتها لنقل الركاب والبضائع بدءاً من خط السير قريتي “دير غصن” مروراً بعشرات القرى حتى الوصول إلى كراج القامشلي الكبير، ومن القرى “حسينية، علي بدران، معشوق، حلوى الشيخ، بلدة القحطانية، البوير، بياندور، تنورية” وغيرها»، حيث «كانت تستغرق رحلتنا أحياناً 3 ساعات، من كثرة التوقف والتحرك، كنت أوصل كل شخص إلى أمام منزله، وعند الانطلاق أيضاً أمر على منازلهم لحملهم وحمل بضائعهم، كانوا يخبرونني مساء بضرورة الذهاب إليهم صباحاً، فقد كنت أجهز للانطلاق عند الخامسة فجراً، والعودة من القامشلي 11 ونصف تماماً».

أحال “حاجي” نفسه للتقاعد قبل الحافلة بعشر سنوات حين قرر تسليمها لشقيقه وإراحة نفسه من عناء الحل والترحال، كما يقول في حديثه لـ سناك سوري: «تعبت قبلها بكثير، رغم أنها كانت تؤدي مهام عديدة كنقل أهالي القرية وربما القرى المجاورة لتأدية واجب اجتماعي، سواء بتقديم العزاء أو المشاركة في حفلة عرس، وعدة مرات كانت تنقل حالات إسعاف، لانعدام وسائل النقل قبل عشرات السنين».

حافلة “دير غصن” على بساطتها وقدمها منحت الأهالي خدمات كثيرة سيظلون ممتنين لها بوفاء قل نظيره، ربما لن تشعر الحافلة بكمية الوفاء تلك، لكنه السوري الذي يغلبه الأصل مهما تاهت الأفكار والأيام.

اقرأ أيضاً: آذار.. شهر الوجبات المجانيّة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى