الرئيسيةيوميات مواطن

“مادونينا” وسبعة أطفال كرمى لـ الأونروا.. امرأة قابلتُها في دمشق!

كم مادونينا اليوم في هذه البلاد ؟

سناك سوري – يوسف شرقاوي

كانت عقارب الساعة تُشير إلى السابعة صباحاً، ووكالة الغوث الدولية “الأونروا” أرسلت للّاجئين الفلسطينيين رسائلَ تطلب منهم تأكيد شخصيّاتهم في مركزها بمنطقة “المزة”.

عند باب “السرفيس”، وقفت أمٌّ أربعينية ومعها سبعة أطفال، يبلغ أكبرهم تقريباً خمسة عشر عاماً، طلبت منهم الأم أن “ينحشروا” في المقعد الأخير كي لا تدفع إلا لثلاثة ركّاب، وهذا ما حصل، جلسوا في أحضان بعضهم البعض، والأم حملت طفلاً لا يتعدّى السنتين، وفي اليد الأخرى فتاةً صغيرة أخرجَت نصف جسدها من النافذة كي يتّسع المقعد.

جلستُ في المقعد الذي أمام تلك العائلة الكبيرة، وكانت أصوات الأطفال السبعة في الخلف تُثير غضب كلّ من في الحافلة، حتى نهرهم السائق، فصمتوا قليلاً، أمامي على اليمين جلست امرأةٌ ستينيّة، لم تقدر أن تكبح فضولها، فما لبثت أن التفتت للأمّ في الوراء وسألتها مشيرةً إلى أولادها: “كل هدول منّك؟”،أومأت الأمّ برأسها أن نعم، ثم أشاحَت بوجهها إلى طريق “الربوة”، وهي تُشير لابنتها إلى نهر بردى، قائلةً:«لما أنا خلقت كان يفيض».

اقرأ أيضاً:عيد الأم لن يمر من هنا.. هنا سوريا!

بعد دقائق من صمت، داهم الفضول الامرأة الستينية فعادت تسأل من جديد: “وين أبوهن؟، أجابت الأم: «راح من سنتين»، سألتها السيدة:  “سافر؟، لكن الأم غمزتها وأشارت بإصبعها إلى سقف الحافلة: “سافر”، لقد مات الرجل قبل سنتين إذن، وترك للأربعينية الهرمة سبعة أطفال، ولم تتوقف المرأة عن السؤال: ليش كل هدول؟، وهنا ضحكت الأم وقالت بابتسامتها الصفراء الشاحبة: «عشان الأونروا، مش كانوا يعطوا لكل نفر مبلغ؟ أجار البيت ما كان متوفر، فحكالي زوجي (أشارَت إلى سقف الحافلة من جديد) إنه نجيب ولاد ليزيد المبلغ».

صمتَت المرأة، أشبعَت فضولها والتزمت سكوناً مأساوياً، بينما كنتُ أتأمل وجه الأم، وأرى فيه وجه “مادونينا”، تلك الفتاة في لوحة “روبيرتو فيروتزي” التي تحمل في اللوحة شقيقها الأصغر ذا العشر أشهر، وأسماها الرسام “مادونينا” بمعنى الأم الصغيرة، وهي في الأصل فتاة إيطالية اسمها “إنجيلينا”، وتأملت وجه الأربعينيّة، فلم تعد تلك الشقيقة المتوسّلة على باب أحد البيوت، بل أماً لها سبعة أطفال من أجل مخصصات “الأونروا”، و”مادونينا” كذلك، أنجبت عشر أطفال، ثم توفي زوجها وتركهم لها، فأصيبت بانهيارٍ عصبي، وقضت بقيّة حياتها في مصحّة نفسيّة، وأولادها في دار الأيتام، تحوّل اسم اللوحة بعد ذلك لـ “مادونا الشوارع”، وهذا ما لم ترضاه عائلة “مادونينا”، الأم الصغيرة، التي أخذت صورتها عند الناس طابعاً دينياً، ورأوا فيها العذراء مع ابنها.

أتذكّر وجهَ الأم الآن كما لم أتذكّره من قبل، ويُعيد التاريخ نفسه، ففي بداية شهر آذار من العام الجاري 2020 أرسلت “وكالة الغوث الدولية” رسائلَ جديدة لاستلام المبلغ الماليّ المُقدَّر بـ 26 ألفاً للفرد، بعد انقطاعٍ دام ستّة أشهر!، وأسأل: ما الذي فعلته “مادونينا” في هذه الشهور الست، وأولادُها السبعة؟ وهل ما تزال تُشير إلى الأسقف كلما سُئِلَت عن زوجها، أم أخبرَت أولادها الحقيقة؟، والسؤال الأهم الذي يراودني :كم “مادونينا” توجد في البلاد؟

اقرأ أيضاً:“خديجة” الأم التي لا تحتفل بعيدها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى