أخر الأخبارالرئيسيةشباب ومجتمع

سوريا: المراجع العلمية للأبحاث الجامعية .. إبرة في كومة قش

شح المراجع يؤثر على جودة وتكرار أبحاث الدراسات العليا في الجامعات السورية

يصطدم طلاب الجامعات السورية الساعين لإجراء أبحاثهم العلمية لنيل شهادة الماجستير أو الدكتوراه بنقص حاد في المراجع العلمية المتوفرة في مكتبة الجامعة أو المكتبات العامة.

سناك سوري _ ميس الريم شحرور

وأظهرت نتائج استبيان أجراه سناك سوري شمل 41 طالباً وطالبةً من الدراسات العليا في مختلف الجامعات السورية أن نسبة 78.3% من طلبة الدراسات العليا يعتقدون بوجود نقص حاد في المراجع العلمية.

وتعاني نسبة 75.3% من الطلاب الذين شملهم الاستطلاع من نقص المراجع اللازمة لاختيار فكرة البحث وإكمال الرسالة. فيما يرجع الطلبة السبب في نقص المراجع إلى حظر المواقع الإلكترونية والمنصات البحثية الموثوقة عن “سوريا”. إضافة لحداثة المواضيع وأفكار البحث التي يختارها الطلبة الباحثون.

تجمع غالبية الطلبة الباحثين الذين التقاهم سناك سوري أنّ المكتبات الجامعية خرجت عن وظيفتها الأساسية لأسباب يطول شرحها. في حين بيّن الاستطلاع أن نسبة 19.2% من المشاركين فيه. ما زالوا غير متأكّدين من معاناتهم مع نقص المصادر والمراجع العلمية أثناء العمل على أبحاثهم.

ورأت نسبة 83.3% من العينة أن جودة البحث تتأثّر سلباً بشحّ المعلومات والدراسات حول موضوع الدراسة. الأمر الذي يؤثر على إنجاز البحث ويكلف صاحبه المزيد من الأعباء المالية. وقال 1.2% من الطلاب الذين شملهم الاستبيان أنهم يغيّرون فكرة بحثهم عدة مرات قبل تسجيلها. من أجل أن تتناسب مع المراجع المتوفرة.

طلاب يواجهون شحّ المصادر

واجهت “نور نصر” الحاصلة على دكتوراه في تاريخ الشرق القديم من جامعة “دمشق”. مشكلة شحّ المراجع اللازمة لأطروحتها.

وقالت “نصر” في حديثها لـ سناك سوري «لم أجد سوى مرجعاً واحداً في المكتبات المحلية يخدم فكرة بحثي، علماً أنني عندما اخترتُ موضوع البحث كنت أعلم أنّ المصادر شحيحة جدّاً وربّما تكون معدومة. فالمكتبات الجامعية تعاني من نقص حادّ في المراجع. وهذا النقص لا يقتصر على المكتبات الجامعية المركزية بل يتعدّاها إلى المكتبات الوطنية الكبرى كمكتبة الأسد الوطنية».

شح المصادر العلمية للأبحاث لا يقتصر على المكتبات المركزية بل يتعدّاها إلى المكتبات الوطنية الكبرى الدكتورة نور نصر

من جهة أخرى. تلفت “نصر” إلى مشكلة تكرّر مواضيع الأبحاث الناتجة عن شحّ المصادر وقدمها فتقول «إنّ معلومات معظم رسائل الدراسات العليا تتشابه بنسبة كبيرة. لأنّ المصادر محدودة جدّاً والطالب دون رغبة منه محصور بالبحث ضمن نطاق ضيق. يفرضه عدم توفّر الكتب والمراجع والأبحاث وهي بطبيعة الحال من تداعيات الحرب».

أقرأ أيضاً:خريج جامعي في سوريا يبحث عن لباس لحفل التخرج
تكاليف وعقبات

يرى طالب الدكتوراه في الهندسة الزراعية بجامعة حلب “أحمد قاسم” أن أحد أهم أسباب ترهل الأبحاث العلمية. الاعتماد على المراجع المحلية القديمة دون الاستناد إلى الحديثة منها. وتلك المنشورة من قبل دور نشر مصنفة عالمياً.

وأرجع “قاسم” في حديثه لـ سناك سوري صعوبة الحصول على المراجع العلمية الحديثة والأوراق البحثية اللازمة لإنجاز الأطروحات. إلى تقصير الجامعة في التواصل مع دور النشر العالمية وإبرام الاتفاقيات معها. مبيناً أن غالبية الطلاب يضطرون للتواصل مع زملائهم الموفدين للدراسة في الخارج. بغية مساعدتهم في توفير مراجع حديثة. إلا أن التكاليف المادية في هذه الحالة كبيرة في ظل ضعف تمويل الجامعات السورية للأبحاث.

المصادر التي يتلهّف الطلاب السوريون للحصول عليها متوفرة لطلاب جامعات العالم بيسر وسهولة طالبة الماجستير في الإعلام روان لحلح

أما طالبة الماجستير في كلية الإعلام بجامعة “دمشق”. “روان لحلح” فوصفت إيجاد طالب الدراسات لمرجع يخدم بحثه بالحلم. وقالت أن الطالب يشعر بنشوة الانتصار عند تحقيق ذلك وفق حديثها.

وأشارت “لحلح” إلى أن البحث الذي يحتوي على مراجع علمية كثيرة. يُنظَر له بعين القوة، لكن توافر هذه المراجع يستحيل في المكتبات الجامعية السورية. مضيفة أن الجغرافيا تتحكم في مصير الطلاب السوريين. فما يتلهفون للحصول عليه من مراجع في بلدهم. يتوافر بيسر وسهولة للطلاب في جامعات العالم.

جامعة بلا مكتبة .. وإحصائيات مجمّدة عند 2011

في جامعة “طرطوس”. تصف طالبة الماجستير في الهندسة التقنية “ألين معنّا” رحلتها مع اختيار فكرة البحث بالشاقة والمضنية. مقارنةً بما ستحصل عليه من فائدة علمية.

وأوضحت “معنّا” أن بحثها يحتاج للقياس والتجريب في خضم بيئة عمل غير مساعدة خاصة أن جامعة طرطوس تفتقر إلى مكتبة مركزية.

تقول “معنّا” لـ سناك سوري «نمضي ساعات طويلة جداً في المقاهي ومراكز الانترنت التي توفر لنا إمكانية الحصول على المعلومة، وهذا عبء مضاف سواء بما يتعلق بالتكاليف المادية أو الجهد والوقت الذي يؤخر إنجاز البحث».

طالبة الماجستير في الاقتصاد بجامعة “حلب” “براءة السروجي” بدأت العمل على أطروحة بعنوان واقع اقتصاديات المنطقة الساحلية. لكنها كانت على موعد مع المفاجأة حين اكتشفت أن الأبحاث المتعلقة بنشاط الصيد وهو واحد من النشاطات الأربعة التي يتناولها البحث شبه معدومة.

وقالت “السروجي” أن نقص الأرقام والإحصائيات دفعها للاستعانة بتجارب بلدان متوسطية ذات طبيعة مشابهة لـ”سوريا” فأخذت “تونس نموذجاً” ، نظراً لما يعانيه هذا النشاط الاقتصادي الهام من نقص التوثيق على المستوى المحلي. فضلاً عن أن الإحصائيات الموجودة لا تُحدّث دورياً بل تقف عند حدود العام 2011 وفق حديثها.

أقرأ ايضاً: 8% نسبة النجاح في مادة الأدب الأندلسي.. هل تعيد الجامعة التصحيح؟
حلول بديلة

يشرح طالب الماجستير في الفيزياء النظرية بجامعة تشرين “جعفر أمون” لـ سناك سوري عن الوسائل البديلة والحلول التي تخفف على الطالب من وطأة المشكلة بعد تسجيله البحث.

ويقول “أمون”: «البحث ضمن مواقع الجامعات الحكومية حول العالم يتيح الوصول للأوراق البحثية مجّاناً». موضحاً أن حجب بعض المواقع عن “سوريا” يضطر المستخدمين لاستخدام “البروكسي” من أجل الوصول إليها. وأضاف أن الخطوة تخفق في كثير من الأحيان لكون كثير من تلك المراجع والأوراق العلمية مدفوعة.

وجود موقع “Scihub” الروسي الشهير الذي يتيح أكثر من 48 مليون ورقة ومقالة أكاديمية علمية مجاناً. جعل المعاناة أقل. طالب الماجستير جعفر أمون

إلا أن “أمون” قال في المقابل. أن وجود موقع “Scihub” الروسي الشهير الذي يتيح أكثر من 48 مليون ورقة ومقالة أكاديمية علمية مجاناً. جعل المعاناة أقل.

من جهتها. اعتبرت “براءة السروجي” أنّ الباحث المتمكن هو الذي لا يلجأ دوماً إلى ما هو مكتوب. بل يخترع طرقه الخاصة في البحث والوصول إلى المعلومة من خلال الاستبيانات وطرق التحليل والقياس التي تخدم بحثه.

ودعت الباحثة لعقد مؤتمرات بحثية دورية على غرار ما تقوم به “جامعة دمشق”. حيث قالت: «المؤتمرات العلمية البحثية من شأنها أن تسمح بتبادل التجارب والاستفادة من الخبرات وتشارك أحدث ما وصل إليه الباحثون من المراجع التي لا تتاح في المكتبات».

أزمة البحث العلمي لا تقتصر فقط على الطلاب وحاجتهم للحصول على درجات أكاديمية أعلى. بل تمتد لتؤثر على تصنيف الجامعات السورية عالمياً. إضافة إلى إهمال أهمية الأبحاث في خلق مجالات استثمارية وأفكار إبداعية تؤثر في الاقتصاد المحلي. وتخلق آفاقاً واسعة للبلاد على غرار دولٍ أخرى حصدت ثمار اهتمامها بجامعاتها وحوّلتها إلى قبلة معرفية تقود خطى البشرية نحو المستقبل.

اقرأ أيضاً:هل تستفيد الحكومة من أبحاث الجامعات السورية؟

زر الذهاب إلى الأعلى