الرئيسيةتقارير

ارتباطنا بالمدن خيط ممدود من عاطفة – شاهر جوهر

كاتبة سعودية تعتذر عن لقاء لشرح أسباب حبها لدمشق: المحبة لا سبب لها

قبل عام تقريباً، وما إن أخبرتها نية الموقع إجراء لقاء معها حتى اعتذرت متكهنة بلطف: «إن كان اللقاء حول سبب محبتي للشام وللشاميين فأنا أعتذر»، ثم أضافت موضحة سبب رفضها: «المحبة لا سبب لها ».

سناك سوري – شاهر جوهر

ليست الكاتبة السعودية الشابة “زينب البحراني” التي تحولت صفحتها الشخصية في فيسبوك إلى مدونة لنشر مشاعرها حول محبتها لسوريا، ليست أول شخص يفصح عن محبته لهذه القطعة العربية الجميلة من العالم.

في “دمشق” قال “محي الدين بن عربي”:

مقالات ذات صلة

وكُل حُب يزول ليس بحُب
وكُل حُب يَتغير ليس بحُب
إنما الحُب مَا ثبت.

الثابتون على المحبة محبون صادقون، لربما لهذا الحب الأبدي، الثابت في العظام التقى “جلال الدين الرومي” بـ “محي الدين العربي” في “دمشق”، وكأنه على ما نحن عليه يرد الرومي له مقولته “الذي تقصده، يقصدك أيضاً” لأن “السعي وراء الحب يغيرنا فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته”.

في ذاكرة الحب والنضج، قبل مدة كنت في دمشق، هذه المدينة الحلوة الغارقة بالجميلات والمغمسات بالسكّر. و طوال الطريق إليها قادماً من أقصى البلاد خطفتني الذكريات القليلة إلى الأيام الخوالي. إنها المرة الأولى لي هنا منذ عشر سنوات. شعرت بالقشعريرة عند مدخل العاصمة، لا أدري إن كانت نابعة من البرد أم من الشوق الراعف للذكريات، فكلاهما يضربك بلذع.

عند مدخلها الجنوبي تذكرت “فؤاد. ط”، ملامح ذاك العربي الأصيلة التي التصقت في ذاكرتي، صديق يمني جمعتني به “دمشق” قبل سنوات، وفرقتنا الحرب لسنوات أخرى، لكن فيسبوك لمّ شملنا افتراضياً، قبل وقت مضى وصلتني رسالة منه مصحوبة بصورة طفلة جميلة وقد علّق أسفلها قائلاً :«ابنتي، أسميتها “شام” لمحبتي للشام».

اقرأ أيضاً: تنمر الأكثرية على الأقلية -شاهر جوهر

ثم وبلا سابق إنذار جررتني الذاكرة أيضاً إلى “سعيد . ح” ابن “سلطنة عُمان” والذي لم يواري حنينه لدمشق يوماً، ففي كل محادثة بيننا يكرر عبارته التي علقت في رأسي الغارق بالمكان: «محبة المكان تأتي من طيب ساكنيها يا صاحبي». لكنني أقول له من هذا المكان المحبب إليه أن:«محبة المكان هي من طيب أصل المحب».

وبفعل هذا الوجد كله لم يعد “سعيد” إلى بلاده فارغ القلب بل امتلأ بها وقد تواسى بفاجعة رحيله من “دمشق” أنه أخذ معه قطعة منها ومضى كي لا يشعر بالحنين، قام بمصاهرة تلك المدينة وانتسب لها نسيباً وصهراً وابناً.

في “عُمان أيضا عرفت “عمرو .م” والذي ارتبط مؤخر اسمه بالنسبة لكل من عرفه بـ”الحبيب” لمحبتنا له، كتب “عمرو الحبيب” عن دمشق، عن حاراتها، عن فنانيها، عن الدراما وعن التاريخ وعن الأدب ليفاجئني في حديث عابر ذات مرة أنه لم يزرها قط، لم يتسكع في شوارعها. فمحبته لها كانت عابرة للمكان وللتفاصيل.

أيضاً أنتم لا تعرفون “أحمد. ه”، الشاب السوداني الأسمر الجميل والطيب، يقيم الآن في دولة خليجية شقيقة، وكل جمعة أنا على موعد مع رسالته لأقرأ (جمعة مباركة أخ جوهر، اللهم فرّج عن الشام في هذا اليوم المبارك)، حتى باتت رسالته كتفصيل محبة أسبوعي لابد منه.

ارتباطنا بالمدن خيط ممدود من عاطفة، يمر بك كتيار كهربائي بارد. يشعرك بالقشعريرة كلما لامس أحدهم اسم تلك المدينة أمامك أو مر عطر المكان بثيابك. عشق المدن والتفاصيل المكانية لا يأتي من طرف واحد، فالمدن ليست أنثى تبادلك المحبة وتمضي حين تمل منك، المدن تبادلك العاطفة الى أن تموت وتفنى.

وبكل مآسيها لازال كثر ممن مروا بدمشق عابرين يذكرونها بخير. فلا تلوموا النائحين على الأطلال ولا الباكين على الخراب الذي تركوه مرغمين، فالحنين لا يرحم. فكيف لمن عاش وسط ازدحام الذكريات أن ينسى كل ذلك في وحدته مغترباً.

تذكروا هذه الأسماء، لا تنسوا المحبين، “زينب”، “فؤاد، سعيد”، “عمرو” و”أحمد”، وآخرون كثر غرقوا في محبتنا حين أحببناهم.

اقرأ أيضاً: تذكروا وجوه آبائكم -شاهر جوهر

زر الذهاب إلى الأعلى