الرئيسيةرأي وتحليل

أيهما أتى أولاً الدجاجة أم البيضة السورية – أيهم محمود

ابتداع معضلة فلسفية جديدة في سوريا: هل نؤمن الوقود أولاً أم نصنع السيارات أولاً؟

كلنا يعرف الدوران اللانهائي للمعضلة الفلسفية المهمة جداً المتعلقة بالبيضة والدجاجة، أيهما أتى أولاً، يمكن إنشاء حروب دائمة أو متقطعة بين فريق البيضة أولاً وفريق الدجاجة ثانياً، فتاريخ البشرية ملئ بهذه التفاهات وسجلاتها، يصبح هذا السؤال لا معنى له، بل لا يتوجب طرحه أو حتى التفكير به عندما نرى تطور الحياة في استمرارها الزمني والطبيعي، عبر ملايين السنين، هذا السؤال مطروحٌ فقط للاختلاف في الأزمنة المبتورة الموجودة في العقل البشري فقط والتي لا تملك أي وجود واقعي خارج منظومة أوهامه.

سناك سوري-أيهم محمود

ما لدينا في الحالة السورية دجاجة واحدة يتيمة وآلاف البيضات، التي نختلف على أولويتها وأحقيتها في كونها مبدأ الحياة وأساسها، الأمثلة كثيرة وغنية في حياتنا اليومية، منها زيادة التقنين الكهربائي في فترة الصباح والظهيرة في مدينتي التي أحيا فيها “اللاذقية” ليصبح نصف ساعة كهرباء، وفي أحيان كثيرة أقل من نصف ساعة والتبرير منطقي جداً، “توفير الكهرباء من أجل تأمين استمرارية ضخ المياه إلى الأحياء التي تعاني من شح المياه”، بالتأكيد، هذه البيضة السورية رائعة بكل المقاييس، وهي تصلح لكونها المبدأ في النشوء والإرتقاء لولا إزعاج منطق الفريق المقابل الذي يسأل سؤاله الفلسفي العميق أيضاً، “حسناً وماذا أفعل بالمياه إن توفرت في الطابق الأرضي ولم أستطع ضخها إلى منزلي في الطوابق العليا لعدم وجود كهرباء كافية لفعل ذلك، نحن مثلكم نحتاج الكهرباء أيضاً لضخ المياه!”.

اقرأ أيضاً: سور الجرائم الإلكترونية – أيهم محمود

ماذا لدينا أيضاً من معضلات فلسفية مطروحة للاختلاف العام؟

لدينا أزمات الوقود المتتالية التي تؤثر بدورها على حركة النقل العام مسببة اختناقات حادة فيها، وهي تؤثر أيضاً على توليد الكهرباء مما يسبب في تراجع أو حتى تعطيل كامل للمهن الفكرية ولتطور التعليم إضافة إلى تعطيل كل المهن والأعمال الصناعية الصغيرة التي لا تستطيع تأمين الكهرباء بمواردها المحدودة جداً.

في هذا المشهد الذي يعرفه الجميع رأى البعض أن تجميع السيارات في هذه الفترة الزمنية، ضرورة ملحة في الاقتصاد السوري ومطلب جماهيري عام، فكما تعلمون لا تحتاج معظم العائلات السورية سوى المزيد من الرفاهية فقط عبر اقتناء سيارة سياحية، لكن هذه ليست قضيتنا بالتأكيد هنا فنحن في وسط بحث فلسفي علينا الالتزام بمحدداته الصارمة، إن كان الوقود لا يكفي حتى لعمل وسائط النقل شبه الجماعية لذلك تم إيقاف مخصصات “السرافيس”، في دمشق يومي العطلة الماضيين، لم ينحصر شح الوقود في دمشق وحدها بل عمّ المحافظات السورية وأثر وفق التصريحات المتواترة على كمية الكهرباء المتوفرة في عموم مناطق البلاد، إذاً السؤال الرئيسي هنا:

“هل نؤمن الوقود أولاً أم نصنع السيارات أولاً؟”

وفي حال تجميعها محلياً، هل ستزيد أزمة الوقود أم ستنقص؟ من هي الشريحة المستهدفة بهذه الصناعة؟ ٩٠% من الشعب السوري أم النسبة المتبقية منه مع التفاؤل الشديد أيضاً في تقدير هذه النسبة الثانية، من أين ستأتي دولارات استيراد مكونات التجميع؟.

هل يتوفر لدينا فائض منها تكفي للرفاهية الفردية أم يجب تخصيصها للنقل الجماعي، ولضخ المياه إلى الأحياء العطشى، ولتأمين الكهرباء اللازمة كي تنطلق عجلة الصناعات الصغيرة وجزء من المتوسطة، من أجل تخفيف حدة استيراد احتياجاتنا اليومية وبالتالي نوفر الدولارات لشراء المستلزمات الأساسية التي لا نستطيع صنعها.

أيهما يأتي أولاً في سلم البيض السوري الفاخر على مستوى العالم كله، والذي نعاني من وجود فائض حاد فيه لكننا لا نستطيع تصديره للأسف الشديد، فالعالم حولنا لا يهتم به و لا يهتم أيضاً بلغة المتاهات اللانهائية التي نعيش فصولها يوماً، إن لم تكن الدولارات تتوفر لتأمين الكهرباء للبشر والتعليم والصناعة والتنمية فكيف ظهر فائض منها مخصص لصناعة السيارات السياحية.

علينا بتر المقالة هنا، مثلما نفعل مع كل سردياتنا الطويلة التي لا تنتهي، على أمل أن تتغير هذه المعادلة الخطرة الكامنة في تنافس المصالح الصغيرة للمجموعات والأفراد دون رؤية تأثير هذا التنافس القاتل على المشهد العام كي لا نزول جميعاً عن خارطة أسئلة العالم الصغرى والكبرى.

اقرأ أيضاً: الفاتيكان العلمي.. القرون الوسطى الجديدة بألوان زاهية – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى