الرئيسيةتقاريرشباب ومجتمع

طلاب الهندسة المعلوماتية في سوريا.. خريجون بلا مهارات عملية

طلاب الهندسة المعلوماتية حشو نظري وفقر عملي.. من المسؤول الطالب أو الكلية؟

صُدمت “مادلين ” 23 عاماً بعد تخرجها من كلية الهندسة المعلوماتية بحاجة سوق العمل لخبرات عملية لم تحصل عليها خلال 5 سنوات من الدراسة الأكاديمية التي اقتصرت على “التنظير”.

سناك سوري- ميس الريم شحرور

تقول “مادلين” في حديثها مع سناك سوري:«يبدو الأمر في كلية الهندسة المعلوماتية أن مهمتنا إصلاح أجهزة الكمبيوتر واختراق المواقع وما شابه. لكن في الحقيقة مهنتنا قائمة على استراتيجية حل المشاكل problem solving وهو ما لم تساعدنا المقررات الدرسية على تنميته بشكلٍ كافٍ لدخول سوق العمل».

هذا الواقع وضع مادلين أمام حقيقة أن خلاصها وزملائها بالتعلم الذاتي الذي ترى فيه الطريق الوحيد حالياً للانتقال نحو التطبيق العملي في ظل واقع الكليات الحالي.

واقع الكليات نظري يفتقد للتطبيق

تعتمد كليات الهندسة المعلوماتية في سوريا على التدريس النظري، ويختصر الجزء العملي في بعض المقررات على سلايدات يقرؤها مدرس المادة. وذلك دون أن يطبق الطالب بيده أو يرى ما هي المشكلات التي يمكن أن تعترضه خلال التنفيذ.

كما أن بعض المواد في السنتين الأولى والثانية وحتى الثالثة التي تسبق الاختصاص إنما هي مواد رياضيات لا ترتبط بصلب الاختصاص. وترهق الطالب أثناء دراستها النظرية على حساب المواد التخصصية كالبرمجة التي تعتبر عصب الاختصاص، ومع ذلك تدرّس ورقياً ولا يصحبها تطبيق.

وبحسب شهادت الطلاب والخريجين الذين التقيناهم فإن طالب الهندسة المعلوماتية إذا اعتمد على المحتوى التعليمي في الجامعة فإنه:«يتخرج من غير أن يكون قادراً على كتابة كود برمجي متكامل. أو من حل المشكلات التقنية التي تعترضه في الحياة العملية».

أقرأ أيضاً:جامعة دمشق تسحب شهادتها من مدير سابق

يقول الطالب “علي” 25 عاماً أنه وزملاءه في الكلية مرغمون على تلقي المعلومات كمياً وحفظها بهدف النجاح لا بهدف الفائدة العلمية. معتبراً أن نسبة 70٪ من المواد الجامعية كان يُنظر لأهميتها حسب ضخامتها وكثافة معلوماتها لا من باب الفائدة التي تعود بها على الطالب.

تعتقد “لينا” 24 عاماً وهي خريجة 2022 أنّ الجزء العمليّ في الكلية بحاجة مهندسين أكفّاء قادرين على نقل تجربتهم العملية ببراعة. وتنتقد أن بعض المهندسين المدرسين في الكلية يظهرون عديمي الخبرة والمعرفة ويبدو وكأنهم يتعلمون المحتوى المعرفي والعملي مع الطالب. وتدعو للتحول نحو الأتمتة والتخلص من الأوراق في مناهج ومنهجية الكلية.

«إنّ تحميل الكلية كامل المسؤولية غير واقعي، إنّما هي مسؤولية مشتركة». د.ناصر ناصر.

الطالب مسؤول عن تطوير ذاته

يتفق الدكتور في الكلية “ناصر ناصر” مع وجود مشكلة ويرى أنها تبدأ بآليات القبول الجامعي والتي تعطي الأولوية للمعدل بدل رغبة الطالب واهتماماته. وتمتد للتغيرات التي جعلت الطالب ينظر للاختصاص على أنّه “جواز سفر باعتباره من التخصصات المطلوبة عالميّاً ” ويتوقّع من الكلية أن تغطي كل جوانب الاختصاص دون أن يكلّف نفسه عناء البحث والتجريب!.

وبالتالي :«إنّ تحميل الكلية كامل المسؤولية غير واقعي، إنّما هي مسؤولية مشتركة» من وجهة نظر “ناصر”.

في حين ترى الدكتورة في قسم الشبكات والنظم الحاسوبية “هبة حيدر” أن ظروف البلد أثرت سلباً على المدرس والطالب معاً. وقالت:«تعمل الكلية وفق الإمكانات المتاحة. ولا أعتقد أنّ أيّاً من أعضاء الكادر التدريسي يتعمّد التقصير في الجانب العملي. لكن الجانب العملي يحتاج لتقنيّات حديثة يحاول القسم توفيرها بالقدر المستطاع».

الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا تطلب ما هو أكثر من مجرد معرفة نظرية بالمصطلحات، فالواقع العملي يطلب من المهندس أن يطبق ما يعرفه على الحاسب لا أن يشرح ما يعرفه. خريجو هندسة معلوماتية

سوق العمل يبحث عن المعرفة العملية

إن الشركات العاملة في قطاع التكنولوجيا تطلب ما هو أكثر من مجرد معرفة نظرية بالمصطلحات، فالواقع العملي يطلب من المهندس أن يطبق ما يعرفه على الحاسب لا أن يشرح ما يعرفه.
حيث يتقدم آلاف الخريجين السوريين لعشرات فرص العمل ويُرفَضون بها لأنهم ببساطة لا يمتلكون الخبرة العملية التي تؤهلهم للعمل. بينما نجد خريجين آخرين يعتمدون خلال دراستهم التعليم الذاتي ويتمكنون من اكتساب خبرات عملية حتى أن بعضهم ينجح بالعمل حتى قبل التخرج.

يقول “حسان” وهو خريج جامعة تشرين ويعمل حالياً في النمسا إن الجهد الذي بذله خلال الدراسة كان مضاعفاً ومنصباً على الجانب العملي. لكن الأمر احتاج منه أيضاً تكاليف كبيرة في سوريا لتأمين أجهزة تقنية مناسبة وكهرباء. وووإلخ من معدات يجب أن تتوفر لكل طالب في الكلية وفي المنزل حتى يتمكن من اختبار ما يتعلمه مباشرة.

أما “عبد السلام” الذي يعمل بالأمن السيبراني في شركة تكنولوجية بالإمارات تناول حجم تقدم سوق العمل الذي أصبح فيه اختصاصات ضمن الاختصاصات. ويضرب مثلاً مجال تصميم المواقع الإلكترونية الذي أصبح مجموعة اختصاصات، ولا يمكن القول إنه اختصاص واحد. وبالتالي ينسف “عبد السلام” فكرة مهندس المعلوماتية كمصطلح عام من أساسه ويرى أن ما يجب العمل عليه أكاديمياً هو مهندسو التخصصات بتفاصيلها حسب رغبة كل دارس لأن هذا ما يحتاجه سوق العمل.

فرص ممكن الاستثمار فيها

بشكل واضح وبخلاصة شهادات الطلاب فإنهم بالتأكيد يحتاجون للجانب العملي، وهو ما يقترحون من أجله تأمين تجهيزات وأدوات ومختبرات عملية في كل كلية . إضافة لورش العمل التطبيقي والفرص التنافسية العملية .

ويقترح بعض من التقيناهم أن يكون في كل كلية قسم “استثماري” يحصل على مشروعات من القطاع الخاص أو العام وينفذها ضمن الكلية بإشراف المختصين بحيث يتسنى للطلاب التطبيق العملي فيها أيضاً واختبار معارفهم.

بينما هناك وجهة نظر أخرى تتناول ضرورة بذل الطلاب لجهود أكبر بالاستثمار في ذاتهم ولا يغفل هؤلاء صعوبات ذلك مادياً ولوجستياً على الطلبة.

إضافة إلى ذلك يمكن العمل برأي بعض الطلبة والمدرسين على توقيع اتفاقيات بين الكليات الجامعية والشركات المعنية تتيح للطلبة الخضوع لـ “ستاجات عملية” خلال مراحل دراستهم، وهو ما بدأت الكلية العمل به مؤخراً.

في جامعات متقدمة بالعالم اليوم يمكن لطلاب الطب تعلم اختصاصهم وإجراء محاكاة لعمليات جراحية عبر “نظارات رقمية ومقبضين” صنعها مختصون بالمعلوماتية والبرمجة. يمكن لروبوت صنعوه أيضاً أن يكتب مقالاً في ثوانٍ معدودة. فالتكنولوجيا لم تعد حاسباً في شركة حكومية نكتب عليه المعاملات بل أصبحت وسيلة للنمو تستخدم في مختلف المجالات ومن يحسنون استخدام التكنولوجيا بالتأكيد لا يتم تعليمهم بالتنظير بل بالمعرفة والتجربة معاً.

اقرأ أيضا:8% نسبة النجاح في مادة الأدب الأندلسي.. هل تعيد الجامعة التصحيح؟

زر الذهاب إلى الأعلى