الرئيسيةيوميات مواطن

برقية من ديك منتوف الريش – شاهر جوهر

كان لـ ديكي كاريزما قيادية وهو من أصول بلدية سامقة في المشرق

شاهر جوهر – سناك سوري

قبل سنوات كان في مزرعتي الصغيرة ديك بلدي أصيل، حين اشتريته قال لي صاحبه أنه من أصول بلديّة سامقة في الشرق. بالفعل لم يكن ليكذب، كان له كاريزما قيادية، أبلق، ذو صدرٍ شامخٍ، ويمتلك عُرفاً أحمر متدلّي ويغطي عينه اليمنى، تماماً مثل قبطان في البحرية.

مرّت السنوات أثبت خلالها كم هو مريح، متسلّط، قويّ ومسيّطر، لكن حين بدا عليه الكِبَر ولم تعد ساقاه تقويان على حمله و المسير في حاجة الدجاجات، قمت بشراء ديك آخر يساعده في القيادة والتلقيح. شاب نشيط ويشع حياة. إلتفّت حوله الدجاجات بسرعة في تنكّر واضح للعِشرة، حاول الديك الأبلق القديم فرض هيبته لكنه سقط مع أول نِزال، فعاش أيامه الأخيرة مكوّراً على حزنه، مكسور الخاطر ذليل. لم يرحم أحد عزيز هذا القوم المذلول، فباتت الدجاجات ينقرن رأسه حين يقترب منهن أو يجاهد ليسرق حبة قمح تركنها خلفهنّ، كما كان الصِبية يركضون خلفه كل يوم، ينتفون ريشه، و يدهنون رأسه بالطين والزبل. وحين أنقذته من بين أيديهم كان في أسوأ أيامه، و في عينيه ما يكفي من الحزن والجوع، جوع للهرب من كل هذه المذلّة. بالفعل لم تقوَ روحه الآنفة المسكينة على أكثر من ذلك، لذا وحيداً بعد أيام وجدته و قد مات حزيناً على مجده التليد. موقع سناك سوري.

اقرأ أيضاً: مسيرة حافلة في تخدير الشعوب عفواً الأوجاع

آلمني بصدق رحيله بتلك القسوة، حملته وأنا أفكر بوجع، كيف للجميع من حوله أن يكسروه بهذا العنف، كيف خدشوا كبرياءه وحياءه بضحكة باردة. حتى أني حين ذهبت لأدفنه تمكن كلب في الحي من الغدر به والتهام جثته والهرب بها. أي نهاية تلك التي تذل صاحبها يا إلهي!. أي كسر للقلوب هذا، وأي قهر للديوك ذاك يا إلهي.

بعد عدة أشهر، فَقَستْ بيوض لدى إحدى الدجاجات، فكنّ 8 صيصان ذكور سرعان ما نمى عليهن الريش وغدوا ديوكاً تملؤهم الحماسة. و ذات نهار تغيبت عن المنزل لأمر ما، وحين عدت كان ينتظرني ضيف عزيز، قامت أمي – وبسبب تأخري – بصنع غداء له على عجل، كانت مائدتها على بساطتها يغلفها المحبّة وتفيح منها رائحة اللحم الطيبة، وما هي دقائق حتى عرفت أن معدة الضيف كانت مقبرة لذاك الديك الأهبل. موقع سناك سوري.
لكم قاسيت حين رأيت ذاك الضيف وهو يتناول فخذ ديكي ويلتهمه بنهم، لا أقول بالبخل، بقدر ما هو حزن على غباء الديوك، لو كان ذاك المرحوم يعلم أن خيار أمي سيقع بدون تفكير على أكثر الديوك عجزاً، وأن مصيره سيكون أسوأ من سابقه لجزمت أنه سيزهد بما لديه من تعجرف وكِبْر، ولكان طار من الدنيا بأكملها.

اقرأ أيضاً: زوجتي ستحلبني إن عدت بلا “البقرة”.. كله من “ترامب”

الآن أراقب بعين محزونة هذه الديوك الثمانية الشابة من يملؤها الغرور بنصرها على ذاك الديك المسكين، ولا أدري أي نهاية موجعة تنتظرها هي الأخرى.

عزيزي الديك، من تقرأ برقيتي الآن، ديوك كثيرة حولنا تولد كل يوم، وديوك أخرى تسقط كل يوم، ديوك تُفقد وأخرى تهاجر، والدجاجات من حولك لا يفضلنّ سوى القوي الشديد، وحين تسقط ستقع أمامك كل الأقنعة، فتتداعى الوجوه المشوهة ضاحكة، ساخرة وشامتة لسقوطك، وستكمل حياتها بغنى عنك، فلا يغرنّك الشباب والحماسة الزائفة وابتسامات الأصدقاء. موقع سناك سوري.

لهذا انقلوا جميعا قصتي هذه لمزارعكم ومزارع أصدقائكم، اصرخوا بصوت عالي عبر جميع المنصات، في المنزل في المدرسة في التلفزيون، في المجلة، في الحزب والبرلمان ورددوا لديوككم الشابة في كل مكان “يالغباء الديوك”، رددوا ملء أشداقكم الرخوة ما أراد ”هنري دو فرنوي“ قوله يوماً : “الفخفخة هي فن الحمقى” أيها الحمقى.

اقرأ أيضاً: لن يلتفتوا لمطالبك إن لم تتلبّط وتصرخ أمامهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى