رأي وتحليل

تيارات سياسية جديدة: عجز التوحد البنيوي في «منصات» المعارضة

تدفع الأزمات في الدول المختلفة إلى ظهور تيارات سياسية جديدة أو إعادة ترتيب التيارات الموجودة مع إعادة النظر في بنية بعضها. أو ذوبان بعضها الآخر وحتى أفوله أحياناً. وعلى الأخص في الجانب الذي يكون مقابلاً للحكومات.

سناك سوري

ويمكن اعتبار الأزمة السورية. أزمة معيارية للقياس وفق هذه القاعدة. إذ شهدنا نشوء عشرات التيارات السياسية الجديدة والشخصيات التي بحثت عن إظهار نفسها كجهة معارضة للسلطة. أكثر بكثير مما قدمت نفسها على أساس برامجي أو امتلكت مشاريع بديلة. بل شخصنت الأمور أكثر مما يجب. وهو ما أوصل معظمها إلى الأفول بسرعة. ولم تستطع أن تفرض وجودها في الداخل السوري. حتى في المناطق التي خرجت من سيطرة الحكومة. وهو ما جعلها. شاءت ذلك أم أبت. رهينة لإرادة مستقبليها ومموليها في الخارج. الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى محاولة جمعها. وأناط بيان «فيينا 2» بالسعودية هذه المسؤولية. لتضعهم في كيان سياسي واحد. فقامت الرياض بتجميع «رعاياها» من المعارضين وشكلت «الهيئة العليا للمفاوضات» مستثنية معارضات كثيرة.

قامت هي الأخرى بالتكتل وأسست منصات لها مثل القاهرة وموسكو وبدرجة أقل أستانا وحميميم.
ومع أفول نجم منصتي حميميم وأستانا منذ مدة. بقي اليوم من المنصات المعارضة. ثلاث هي: موسكو والرياض والقاهرة. وحاولت روسيا ومعها الدول ذات العلاقة بالأزمة السورية مؤخراً. توحيدهم من جديد. لكن اجتماع الرياض الذي انتهى أمس. كان محكوماً عليه بالفشل قبل انطلاقه. لأن جمع المنصات في ظل أزمة المعارضة الحقيقية التي لا تزال مستمرة والمتجسدة بعدم تمثيلها للمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة. تمنع أي توافق أو توحد بينها. خاصة في ضوء التقدم الميداني للجيش السوري واتفاقات تخفيف التصعيد التي أفرزها مسار محادثات أستانا وكذلك مسارا عمان والقاهرة.

اقرأ أيضاً: سناك سوري ينشر قائمة الكيانات التي وضعتها الحكومة السورية على لوائح الإرهاب


ويتفرع عن أزمة بنية المعارضات. ما يتعلق بوجود وتشرذم الميليشيات المسلحة وعدم قدرة أي منها على فرض ولايته على البقية. وحتى عدم قدرة ما يسمى «معارضة سياسية» على أن تكون مسؤولة عن أي جهة «مسلحة» في الداخل. ما يجعل أي محاولة توحيدية محكومة بأزمة هوية لكل منصة. لأن من تبعاتها ربط الميليشيات بوفد موحد. وبالتالي إمكانية رؤية ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو جنباً إلى جنب مع ممثلي ميليشيا «جيش الإسلام» أو «فيلق الرحمن». أي لا يعود بإمكانهما التشدق برفض الحلول العسكرية. وهذا سينعكس على تشكيلة الوفد إلى محادثات جنيف من ناحية ضم ممثلين لا قوة لهم على الأرض. ويخضعون لسطوة ممثلي الميليشيات في أي قرار يتخذه الوفد.


ستنسحب الأزمة أيضاً إلى محادثات أستانا. لأن من شأن توحد المعارضة أن تنضم منصتي القاهرة وموسكو لوفدها إلى أستانا. في ظل محاولات قطر وتركيا تعويم جبهة النصرة الإرهابية كجهة معارضة ومدنية لتجنيب إدلب ما بات يعرف بـ«مصير الموصل». وهذه المحاولات إن نجحت. ستجعل منصات المعارضة والإرهابيين في خانة واحدة.
أزمة المنصات ستنسحب على هويتها الفكرية. فهل ستكون موحدة علمانية. أم ماركسية. أم ليبرالية؟ وكيف يمكن لها تحديد هذه الهوية ومنصة الرياض يسيطر عليها «الائتلاف» والمحسوبون على السعودية. وهم بأغلبيتهم ذوو خلفية إخوانية ويرفضون جملة وتفصيلاً ما نص عليه بيان «فيينا 2» من علمانية الدولة؟

اقرأ أيضاً: الليبرالية الجديدة والليبراليون الجدد في سوريا – محمد سيد رصاص


إذاً لا تزال منصات المعارضة الثلاث بحاجة إلى إعادة البحث في صياغة بنيتها الفكرية والتنظيمية والإجابة عن كل التساؤلات السابقة. لإعادة النظر بشخصيتها السياسية. وتوضيح مستقبل علاقاتها بالتنظيمات المسلحة على الأرض. من أجل صياغة قاعدة يمكن الاستناد عليها لوضع برنامج للتوافق بالحد الأدنى. يعتبر لاحقاً منطلقاً لتشكيل وفد موحد لها إلى محادثات جنيف. وهذه المعضلة الجديدة قد تساهم بترحيل جديد للجولة المقبلة من جنيف. كما أجلت أستانا قبلها.

الوطن – سامر ضاحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى