الرئيسيةفن

“الدف والزرنة”.. تراث الجزيرة السورية المعلق على الجدران

“الدف والزرنة”.. ألحان آلات “القامشلي” التي غابت عن مناسباتها

سناك سوري – عبد العظيم عبد الله

يتمنى الشاب “كمال حسين” 28 عاماً من أهالي “ريف اليعربية” (90 كيلو متر عن مدينة “القامشلي”) أن يحظى بعرس أو بحفلة يسمع فيها عزف آلتي “الدف والزرنة” اللتان بدأتا بالغياب عن مناسبات أهالي “القامشلي” إثر دخول الآلات الموسيقية الحديثة إلى أن اقتربتا من الغياب بشكل كامل تقريباً مع بدء سنوات الحرب.

أمنية “حسين” يتشارك بها مع كثر من أهالي الجزيرة السورية الذين يفتقدون لسماع عزف الآلتين اللتان كانت ألحانهما الوحيدة التي زينت أعراس المدينة وريفها وكل حفلاتها الخاصة والعامة سابقاً، وفي الوقت ذاته تشكلان جزءاً مهماً من تراث “القامشلي” الفني الذي لم يعد موجوداً سوى في أحاديث كبار السن.

اقرأ أيضاً: الأفران الحجرية.. حين ترث فرن والدك وجدك وتملأ المكان خبزاً

لم تفارق آلة “الزرنة” السبعيني “علي طيب” أحد أقدم من عزف عليها وعلى الدف، منذ أن اشتراها في أوائل ثمانينيات القرن الماضي من سوق “القامشلي” بمبلغ 25 ليرة سورية، لا ينسى “طيب” أبداً ذلك اليوم كما يقول، مضيفاً لـ”سناك سوري”: «تعلمتُ عليها بعد فترة قصيرة، فوالدي وجدي كانا يعزفان عليها حتى أن اسمي ارتبط بها وينادونني بـ “علي زرنة”، وقد رافقني في الحفلات التي كنت أشارك فيها بالعزف على “الزرنة” صديقي “نوري خلف” الذي عزف أيضاً على الطبل أو “الدف”».

ابن ريف “القحطانية” (40 كم عن مدينة القامشلي)، يعرف خبايا آلة “الزرنة” كلها فقد حفظها ظهراً عن قلب، يقول في وصفها: «تصنع من غصن المشمش حصراً، لأنها تعطي قوة للصوت، ونقاوة أثناء العزف، وحتى لا تتشقق بالرطوبة، أما اللون الأحمر فقط للجمالية، ويبغ طولها 40 سنتيمتر ولها تسع فتحات وبوق في أسفلها ولكل فتحة منها نغمتها الخاصة».

الزرنة والطبل في حفل بريف بلدة الجوادية في القامشلي

اقرأ أيضاً:الفروة.. لباس الراعي الذي أورثه لشيخ القبيلة

العزف على آلتي “الزرنة” و”الدف” لا يحتاج للكثير من التعليم والخبرة بل لجهد عضلي حسب ما أكده “طيب”، مضيفاً أن العزف يحتاج للقوة والتركيز للنفخ في الآلة التي تتطلب نفسا طويلا علماً أنه استمر في عزفه أحياناً مدة ساعتين من الزمن، فهي كانت مصدر رزقه وجال بها كل قرى ومناطق الجزيرة السورية، أحيا الكثير من الحفلات فيها مقابل أجر يتراوح بين 4 و 5 آلاف ليرة سورية للحفلة الواحدة وفي كثير من الأيام استمر في العزف والعمل ثلاثة أيام متتالية.

نجاح أعراس الجزيرة في الثمانينات كان متوقفاً على عازفي هاتين الآلتين لكنهما اليوم غير موجودتين علماً أنهما كانتا السبب في شهرة عائلة “علي” وعائلة “علاني” بمنطقة “المالكية” وعائلة “تمو” ببلدة “عامودا”، و هنا يستذكر “طيب” كيف كان يقوم وزميله “نوري” بالعزف والرقص معاً حيث يختار والد العروس أو العريس أو أحد الوجهاء الحاضرين في الحفل ويعزف أمامهم بوضعية الجلوس بشكل خاص حتى يحصل على الإكرامية أو الأجرة. 

أداء الأغاني وتعلم المقامات الموسيقية تم بجهد ذاتي بذله “طيب” وقد قدم في كل المناسبات التي أحياها الأغاني بناء على طلب الحضور ومنها “كيني كيني” وأغنية “عيشي” وهو اسم امرأة، و”زرافي” صفة للمرأة الضعيفة وتشبه الغزالة، مؤكداً أنه لا يمكن أن تكون معزوفات “الزرنة” مكتملة دون الطبل، لكن أيام حفلاتهما انقضت وبالكاد يجد “علي” وصديقه “نوري” حفلة يعزفان فيها كما أن أدواتهما أصبحت جزءاً من التراث علقاها على جدران منزليهما.

اقرأ أيضاً:“الكلل” و”شد الحبل”.. مهرجان لإحياء ألعاب الأطفال التراثية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى