إقرأ أيضاالرئيسيةيوميات مواطن

الرجل البخاخ: “يحيي العظام وهي رميم”

الرجل البخاخ عامل انعطافة

ما أعرفه أن “الطبيب الجيد يجب أن يكون لديه عينا نسر و يد امرأة” لا عينا بومة ويد لحّام . كهذا الطبيب الخشن الذي ما يميزه عمن هم سواه هو أسلوبه في علاج الناس. كما أن طريقته في كشف العلل هي في أفضل حالاتها علّ المريض. وهذا أفضل طب لمسته في هذه المنطقة الموبوءة في جنوب غرب بلادنا منذ وقعت الحرب.

سناك سوري – شاهر جوهر

كيف ذلك لا أدري. لكن ما أدريه حقاً أن بنيتي الهزيلة تغري الاطباء على الدوام للانتفاع منها. كما أنني كسبت بسببها كثير الاصدقاء من هذا النوع. وهذا الطبيب هو أحدهم. كما أتمنى لو تتعرفوا عليه بوعكة انفلونزا . أو حتى لكع سيجارة صغير أسفل القدم. فتروا كيف يشتري حياتكم بمرح.

كما أنه دائما وبعد كل غارة أو اشتباك ما. يقتلنا هؤلاء الذين تعلموا كيف يحيوا ويعتاشوا من حياة الناس. أولئك الذين يسرقون على الدوام قوت يومهم من صحتنا. لكن وفوق كل ذلك لا يلائمهم اكثر من وصف (صاحب مهنة انسانية).

لكن في المقابل هناك حرّاس كثر نذروا فراغهم وبطالتهم وتذمرهم لمحاربة التسيب والانحراف الذي خلقه الحرب. كما يبدو أن الرجل البخاخ قد عاد من جديد.

فاليوم كان التذمر والاستياء بادٍ على صلعة هذا الطبيب المتعرقة. كما أنه لم يسمع تحيتي. لكن حين اقتربت أكثر لم يرغب في معاينتي. وحين سألته سبب غضبه زفر الهواء من انفه بغضب وأجابني:

– تسألني! ألم تقرأ ماذا كتبوا عني عديمي الأخلاق في فيسبوك..؟

اقرأ أيضاً: الجنوب السوري.. عيد بنكهة الحرب والترقب!

تنهد بصعوبة . سكت قليلاً . ثم انفجر شاكياً:

– .. لا ولم يكتفو بذلك فقط بل تطاولوا على حائط عيادتي. أنظر بعينيك لترى ما أقل حياء أبناء بلدتك. أنا غريب عنكم . استحوا يا أخي. احترموا حقوق الجيرة .. حلّوا عني يا أخي ..

يسمي أبناء بلدتي هذا الطبيب على سبيل السخرية باسم (الشامل في الطب). فقد كتب فوق باب عيادته بخط عريض منمق (الطبيب فلان . اخصائي في أمراض الأطفال. الأعصاب. الأورام السريرية . هضمية. جلدية. تناسلية. صدرية. نسائية. أمراض الحساسية والمناعة. أمراض الدم والأورام. وأمراض القلب. أمراض الكلى. وأمراض وجراحة العيون. أشعة الفم والوجه والفكين. الأذن والأنف والحنجرة. أمراض الغدد الصم والسكري… .)

قرأت كل ذلك بتعب ثم قلت:
– أين الجديد بالأمر ؟
– اقرأ هنا .. هنا يا أعمى

وقد أشار باصبعه أسفل اللافتة . حيث كتب أحد العابرون ساخراً عبارة (ويحيي العظام وهي رميم… التوقيع “الرجل البخاخ”).

ضحكت . ثم أقفلت مواسياً :

اقرأ أيضاً: سوريا..الجراد قد ينافس الفساد في أكل الأخضر واليابس

– عادي. الصالحون دائما محاربون
– إنهم يستهزؤن بقدراتي يا رجل. يريدون تشويه سمعتي. لكنني أقسم بجمالي إن عرفته سأقتله.
– لا كرامة لنبي في وطنه
– اعجبتني مقولتك . من قائلها؟
– لا أدري . لكني ربما قرأتها في مذكرات لهتلر
– مم . هتلر .. ليت الله يخلق ألف شخص مثله في هذه القرية حتى يحولهم لصابون. حتى أنهم لا يصلحون ليكونوا صابون ..

في طريق عودتي إلى البيت تجمهر أعضاء المجلس المحلي للبلدة أمام حائط المدرسة. كما كانوا قد دأبوا مسرعين على مسح عبارة كتبها أحدهم سراً (المجلس المحلي سرق الطحين . الله لا يشبعكم .. التوقيع “الرجل البخاخ”)

وفي طريق فرعي أسفل القرية كتبتْ عبارة أخرى على عجل (الجيش الحر حرامي . بدنا الجيش النظامي… التوقيع “الرجل البخاخ).

تحدث أعداءه عن وقاحته كثيراً. أما الناس لربما يحبذون قول “أوسكار وايلد” بأن “الوقاحة هي أن تروي الأشياء كما هي لا كما ينبغي أن تكون”. لكن أنا متأكد أنهم مع ذلك كانوا نصراء عودته ونصراء وقاحته. فهو رجل جمع شجاعته في بخاخه. وعليه جمعت شجاعتي اليوم لأقول (أهلاً بعودة الرجل البخاخ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى