الرئيسيةشباب ومجتمع

استعينوا بصوت الكلاب أو القطط أو العصافير لقول ما تريدونه

هل أحاسب إذا كتبت عن "حماتي"؟

عادت أمي وخالتي من عزاء زوج صديقتهما، تضحكان وكأنهما غادرتا للتو مسرحية كوميدية، لم يمتد وقت استغرابي من تلك الضحكات كثيراً، تلك الصديقة لم تحزن على زوجها المتوفى، ولأن أمي وخالتي مقربتان لم تتردد بالإفصاح عن شعورها غير الآبه برحيله، إلا أنها لم تستطع إكمال ما أرادت إخبارهم به عن المرحوم مع دخول أمه وأخواته، فتابعت ما أرادت قوله بالإشارة حيناً، وبإصدار بعض الهمهمات حيناً آخر، دون أن تنتبه حماتها السيدة المتسلطة حادة الطباع على ما أخبرت به كنتها صديقاتها عن ابنها المرحوم.

سناك سوري – لينا ديوب

في طريق عودتنا وصديقتي من عيادة طبيب الأسنان في “حي الورود”، الذي أرسلنا إليه قريب لنا لمهنيته العالية وتعامله الإنساني، كان علينا أن نجتاز صعوداً طريقاً موحلاً شديد الانحدار لنصل إلى الطريق العام حيث تمر وسائل النقل، لكن لا سرافيس وإنما تكسي سرفيس، يأخذ أربع ركاب ومن كل واحد 2500 ليرة، كان حلاً مثالياً وبكلفة مناسبة لنا، فالتكسي يأخذ طريقاً مختصراً ومريحاً تزين جانبيه أشجاراً منسقة وكأن هذا الجزء من المدينة من خارج الحرب والدمار في بقية الأجزاء.

للتعبير عن إعجابي بتنسيق الأشجار، قلت لصديقتي بصوت مسموع: «إذا أرادت البلدية والمحافظة أن تجمل طريقاً تستطيع، سارعت صديقتي إلى الضغط على يدي وهمست بأذني: «هل نسيت قانون الجريمة الالكترونية، استعيني بصوت الكلاب أو القطط أو العصافير لقول ما تريدينه وأنا سأفهم عليك»، علت ضحكاتنا في التكسي دون أن أي تعليق من السائق والراكبين الآخرين، أوصتني لحظة افتراقنا تحت جسر الرئيس أن لا أنسى لغة الإشارة التي سنحتاجها للتهرب من ذاك القانون.

حالفني الحظ سريعاً على زاوية المتحف الوطني بمقعد في سرفيس “برامكة كراجات”، قبالة عائلة تعتمد هي الأخرى لغة إشارة لم أفهمها ولم تفهمها الفتاة ابنتهم، اجتاز السرفيس شارع الثورة والزوج يرفع حاجبيه ويميل رأسه باتجاه الفتاة والأم تنبهها بيدها ولم تفهم وإنما تهز برأسها مستفسرة وهامسة بكلمة: شو؟

اقرأ أيضاً: صحفي: الجوع عمينخر عضامنا وإذا كتبنا بهددونا بالجريمة الإلكترونية

خلال أقل من ساعة ونصف كنت في قلب بيتي، أتابع الجديد في جريمة قتل الزوجة الشابة “آيات الرفاعي”، التي كشفها وجعلها قضية رأي عام منشور على الفيس بوك، تبعه منشورات متواترة عن قصور القانون وضعف الحماية في حالات العنف الأسري، أي إن الفيس بوك أصبح منصة لنقاش قضية اجتماعية مهمة كشفت الكثير من مواقع الخلل في العلاقات الأسرية وعن مساوئ زواج القاصرات والتسرب من التعليم.

قضايا خدمية أخرى، وقضايا فساد ساهم النشر على الفيس بوك في الكشف عنها وتتبعها، فهل سيكم قانون الجريمة الالكترونية الجديد أفواهنا؟ ويمنعنا من الإشارة لمواقع الخلل في المجتمع والسياسات والخدمات؟ ولماذا يحاسب المتأذي من التقصير ولا يحاسب المقصرين أنفسهم؟.

هل أحاسب لو كتبت عن حماتي؟

مع موجة البرد الحالية وازدياد التقنين وأمراض البرد وغلاء الأدوية، يبقى هذا العالم الافتراضي متنفساً للمقهورين والمقهورات من ألم البرد وغيره من الآلام، كتبت إحدى الصديقات على صفحتها الشخصية:« عندي الكثير من الكلام، لكن أشعر أن هذا القانون سيحاسبني حتى لو كتبت عن حماتي، لتعلق لها إحدى الصديقات: علينا اختراع لغة لا يدركها ذاك القانون، وقد لا تساعدنا في الوصول إلى حقوقنا، لكننا نفهمها فيما بيننا وتعبر عن آلامنا، هي سخرية أو ملهاة لم يكتبها شعراء وإنما واقع حال، كحال ذلك العزاء الذي عادت منه أمي وخالتي تضحكان».

اقرأ أيضاً: سوريا.. استخدام السمايلات قد يورطكم بجريمة إلكترونية

زر الذهاب إلى الأعلى