الرئيسيةتقارير

التمز وروث الأبقار.. هكذا يتدفأ سوريون بغياب المازوت!

وسائل تدفئة غير عادية وخطرة أحياناً في المحافظات السورية.. كيف تحصلون على الدفء بظل غياب المازوت؟

سناك سوري-مراسلون /لينا ديوب- رهان حبيب – نورس علي – حسان ابراهيم/

تجمع “أم مالك” من مخيم “الوافدين” شمال “دمشق” ما يتوفر لها من كتب قديمة، وثياب قديمة لم تعد صالحة للارتداء أبداً، لا لتعيد تدويرها وإنما لتستعيض بها عن نقص وقود التدفئة وانقطاع الكهرباء الطويل، فترميها في المدفأة وتنتظر احتراقها السريع الذي يعود ببعض الدفئ على العائلة.

تفضل “أم مالك” خيط الصوف على بقية الخيوط لأنه أكثر دفئاً وتوجهاً أثناء احتراقه، وهي كغيرها من سكان المخيم الذين لم يبيعوا مدفأة المازوت لعدم توفر المادة خلال السنتين الأخيرتين، إنما حولوها إلى الفرن الذي يحرقون به الورق والثياب ليتدفأوا به.

الثياب القديمة وحدها لا تكفي حاجة العائلة للحصول على بعض الدفئ، تقول “أم مالك” وتضيف لـ”سناك سوري”: «يذهب صهري إلى معامل التريكو في مناطق عدة ويجمع فضلات الصوف، التي لا يأخذ أصحاب المعامل دائماً ثمنها، وأحياناً يأخذون مبالغ قليلة قد تصل إلى 1000 أو 2000 ليرة لكمية كبيرة نسبياً قد تكفي لأسبوع، بينما نذهب أنا وجاراتي إلى البالة القريبة من بيتنا ونجمع الثياب التي لا يمكن بيعها».

لكل شيء ضريبته، تقول “أم مالك”، وتضيف: «نقتل برد الشتاء لكن نتحمل الدخان ورائحة الحرق، لدرجة لم نعد نشم رائحة غيرها حتى لو خرجنا من الغرفة ومن البيت كله».

روث البقر للتدفئة!

على الرغم من الشتاء الطويل والقاسي في “السويداء”، إلا أن أسرة “جادوا شجاع” من أبناء قرية “رشيدة”، غير مكترثين كثيراً لغياب مازوت التدفئة، الغالي الثمن أساساً بحسب “شجاع”، مضيفاً أن أبناء الريف قادرين على الاستفادة من وسائل بديلة وتصنيع وسائل تدفئتهم بأنفسهم، مثل “الجلة” التي تغنيهم عن كافة أدوات التدفئة الأخرى كالمازوت والكهرباء والغاز.

طريقة إشعال الجلة

تصنع “الجلة” من روث الأبقار، وكان الأهالي في ما مضى يستخدمونها لأغراض التدفئة وحتى الطهي في عدد من المناطق السورية، ويبدأ تحضيرها قبل الشتاء كما يقول “شجاع”، حيث يقوم مع زوجته بارتداء قفازات سميكة وخلط روث الأبقار التي تمتلكها العائلة مع القش.

بعد عملية الخلط، يتم تشكيل “الجلة” على شكل أقراص، ثم توضع تحت أشعة الشمس حتى تتماسك وتجف، ويسمى القرص الواحد “طبوع جلة”، ووفق “شجاع” فإن القرص الواحد يشتعل لمدة ساعتين، ويكفي 3 أو 4 أقراص من “الجلة” لتأمين يوم كامل من الدفء للعائلة.

المهندس “رفعت خضر” مدير البيئة في “السويداء”، يؤكد أن الاحتراق غير الكامل لـ”الجلة”، يسبب انبعاث مواد مخرشة كونه يحتوي مواد عضوية متنوعة مثل غاز أول أكسيد الكربون ومن مضاره اتحاده مع هيموغلوبين الدم ويسبب وهن وغثيان وco2 ويسبب إلتهاب الأغشية المخاطية وضيق في التنفس، لافتاً أن سبب الاحتراق غير الكامل هو عدم تجفيف قرص الجلة بشكل مثالي تحت أشعة الشمس، وينصح بتجفيفه جيداً.

ويضيف لـ”سناك سوري”، أن غاز الأمونيا أو النشادر المنبعث، يسبب التهاب أغشية العين والجيوب والحنجرة واستمرار استنشاقه يؤثر على أنزيمات الجسم والعوالق الدقيقة الناتجة عن الاحتراق تؤثر على التنفس ولها أثر في التهاب قصبات لمن لديه ربو أو حساسية، لكن بما أن الأهالي مجبرون على إيجاد وسيلة للتدفئة فلا بد من العمل على جعل الاحتراق كاملا عن طريق تجفيف قرص الجلة بشكل كبير تحت أشعة الشمس، و منع انبعاث غازات الإحتراق هذه والحفاظ على تهوية مستمرة وتجديد الهواء في الغرفة.

اقرأ أيضاً: بسبب الغلاء أهالي دير الزور يبحثون عن دفئهم بين الركام

تمز الزيتون أيضاً

في “طرطوس” يتواصل “ياسر حورية” بشكل مباشر مع بعض معاصر الزيتون، ليس بغرض شراء الزيت إنما للحصول على كميات من تمز الزيتون (بقايا عصر الزيتون) التي يستخدمها للتدفئة شتاءً، بسبب غياب وسائل التدفئة الأخرى، فهو حين يحصل عليها مباشرة من المعاصر لا يدفع المال الكثير ثمناً لها، أما إن انتظر ليشتريها من المحال التجارية داخل المدينة حيث تتوفر دائماً، سيضطر لدفع مال أكثر كونها غالية الثمن في تلك المحال.

التدفئة على تمز الزيتون

يسكن “حورية” في بناء طابقي مستأجر ولم يحصل على مخصصاته من المازوت المدعوم ولا يملك القدرة على شرائه بالسعر الحر، لذلك اعتمد على تمز الزيتون لتدفئة أطفاله الثلاثة، يضيف لـ”سناك سوري”: «أحتاج خمس قوالب خلال السهرة باليوم، يتراوح سعر القالب الواحد بين /500/ و /1000/ ليرة حسب حجمه، أشعلها في المنقل مع الورق على البلكون، وأدخلها للصالون ورغم الدخان والانبعاثات الصادرة فإن التمز الحل الوحيد لتأمين الدفء».

الدكتور “زياد غانم”  “طبيب عام”، أكد أن هذا النوع من التدفئة يؤثر سلباً على الصحة العامة نتيجة انبعاث غاز أول أوكسيد الكربون عن عملية الاحتراق الذي يرتبط بخضاب الدم، المسؤول عن نقل الأوكسجين إلى الدم، فيؤدي إلى نقص الأكسجة والإختناق في بعض الحالات، والحل الوحيد هو إبقاء التهوية جيدة في المكان من خلال فتح النافذة للخارج أو الباب إلى بقية المنزل.

اقرأ أيضاً: شتاء بارد في اللاذقية … لامازوت للتدفئة وسط فوضى التوزيع

بطانية وماء دافئ

في “حمص” حيث تزداد البرودة ليلاً، تتجمع العائلات تستذكر ليالي الدفء القديمة، في محاولة لتعزية النفس قليلاً!، كما هو حال السبعينية “وطفة” التي تلّف جسدها بحرام شتوي سميك، على أمل أن يتمكن ولداها الشابان اللذان يسكنان معها بذات المنزل في حي “الغوطة” من تأمين بعض المازوت الحر بالرغم من صعوبة الأمر عليهما حسب تعبيرها، في الوقت ذاته لم تفقد أملها بوصول هبة الحكومة من المازوت، البالغة 100 ليتر لكل عائلة قبل انقضاء فصل الشتاء.

تدفئة القدمين بالماء الساخن قبل النوم

لحظات ماقبل النوم هي الأصعب، فدفء البطانية سيزول بمجرد قيامها من غرفة الجلوس إلى سريرها البارد، كما تقول السيدة السبعينية، وتضيف لـ”سناك سوري”، أنها وجدت حلاً لهذه القضية من خلال تعبئة كيس أو عبوة بلاستيكية بالماء الساخن، وتضعها بين قدميها في السرير، وعلى الرغم من صعوبة التحكم بها إلا أنها تمنحها بعض الدفء في فراشها أو على الأقل لقدميها اللتان لاتستطيع النوم قبل تدفئتهما.

وسائل دفء السوريين تضيق بهم كما وسائل عيشهم، كذلك ظروف الحياة الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمرون بها والتي تتزايد عاماً بعد عام على مرأى ومسمع من عيون المسؤولين عن خدماتهم، دون أي بارقة أمل بحل قريب خصوصاً مع اشتداد الحصار والعقوبات الغربية، وحتى ذلك الوقت ستحترق الجلة والتمز والثياب البالية، وربما القلوب أيضاً!.

اقرأ أيضاً: في سوريا أسعار مستلزمات الشتاء أشد قسوة من برودته

طريقة إشعال الجلة

احتراق الجلة
العائلة تجتمع على نار دافئة
قنينة الماء الساخن في الفراش قبل النوم
البطانية رفيقة ليالي السوريين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى