أخر الأخبارحرية التعتيرقد يهمك

الآثار الانسانية للحرب في سوريا: ابن حلب يمشي إلى ما قبل الحرب بلا ساقين

الآثار الانسانية للحرب في سوريا:
يضع “موسى” كتبه ودفتره المدرسي على كراتين رتبها فوق بعضها لتكون عوضاً عن طاولة الدراسة التي فقدها في منزله المدمر بمحافظة حلب، وينحني ليكتب وظائفه المدرسية دون أن يضع ثقله فوقها خوفاً من أن تنهار منصته الدراسية فهي لا تلقى نسمة هواء فكيف لها أن تلقى جسده ورأسه المحمل بالهموم والأحلام الضائعة في غياهب الحرب.

سناك سوري – بلال سليطين

“موسى” كان يعيش في حلب عاصمة سورية الاقتصادية قبل أن تحولها الحرب  في مرحلة ما إلى أخطر مدينة في العالم، وهناك في مدينة الشهباء تحولت عائلة هذا الطفل البريء إلى عائلة منكوبة تأخذها رياح الحرب يميناً وشمالاً.
جرح العائلة النازف ليس هذا الطفل الجميل رغم حرمانه من أبسط حقوقه، فالمشكلة الكبرى هي مشكلة الأب الجريح الذي أفقدته الحرب ساقيه وجعلت منه رجلاً مقعداً بلا عمل ولا مدينة ولا منزل، يتسلح بما تبقى له من أمل بعد مضي سنوات من عمر جرحه النازف.
يروي رب الأسرة “أحمد” كيف عاش وعائلته نصف عقد من زمن المأساة، ويقول:عام 2010 كنت محاسباً في شركة خاصة وزوجتي محامية، وقد اشترينا منزلنا عبر قرض من البنك وكذلك سيارة نتنقل بها، وحياتنا جميلة وتطور نحو الأفضل بشكل متسارع، وما إن اندلعت الحرب حتى أصابت بنيرانها شركتنا التي توقفت عن العمل وبتنا عاطلين في منزل عليه أقساط ولدينا طفلين يفتحان فمهما للسماء.

السيارة الخاصة للعائلة تحولت بحكم الحاجة إلى سيارة أجرة يعمل عليها الأب “تاكسي” لكي يؤمن مصاريف أسرته. ولهذا العمل مخاطر جمة في حلب. حيث القذائف تتساقط مثل زخات المطر، يقول سائق التاكسي الجديد:أسير في الشوارع رغم معرفتي بأن القذيفة قد تسقط عليّ في أية لحظة، أرسل أولادي إلى المدرسة ولدي شعور أنهم قد لا يعودوا إلى المنزل. ومع ذلك أرسلهم، كل يوم نسمع بتفجير نفق أو يتهدم بناء قبالتنا وتنهار أسقف فوق ساكنيها، ومع ذلك نقول إن يوم غد سيكون أفضل وستنتهي الحرب لكن مضت السنين ومازالت الحرب مستمرة.
وفي ليلة ذات قدر مكتوب بجراح السوريين. وبينما كان المحاسب سائق التاكسي يركن سيارته على مقربة من الكراج. ناداه أحد السائقين لكي يقترب ويركنها بجواره من أجل الحفاظ على دوره. لبى الرجل النداء وما إن وصل إلى موقعه الجديد حتى وصلت إليه قذيفة من حلب القديمة حيث تسيطر الجماعات المسلحة، ونتج عنها استشهاد سائق التاكسي الذي ناداه وبتر ساقيه.

اقرأ أيضاً: الحرب تلاحقهم … معارك السودان تحاصر السوريين في الخرطوم

يقول “أحمد” سمعت دوي انفجار قوي وشعرت بآثاره على جسدي. من عزة الروح حاولت أن أدوس على البنزين وأنطلق بالسيارة لكن قدماي لم يستجيبا للأمر. ومن ثم غبت عن الوعي للحظات قبل أن أستعيد قوتي وأبدأ بالصراخ. جاء الناس وأسعفوني للمستشفي. خضعت لعمل جراحي هناك وبعد ن خرجت وضعت يدي على قدمي اليسرى فلم أتحسسها وكذلك فعلت مع اليمنى فكانت النتيجة ذاتها، في تلك اللحظة أدركت أن الحرب قد أخذت قطعة من جسدي.

السرير الذي ينام عليه أحمد
السرير الذي ينام عليه أحمد

 

الأب الجريح تربطه علاقة عضوية بمحافظة حلب. التي صمد فيها رغم الحرب لخمس سنوات، وبقي على ارتباطه وأمله فيها بعد الإصابة وبقي لأكثر من خمسة أشهر جريحاً. ينتظرها أن تتعافى لكي تعافيه، لكن واقعه لم يسمح له بالبقاء فاضطر على مغادرتها إلى اللاذقية. يقول: ظروف حلب صعبة والعمل المجتمعي فيها بات ضعيفاً، كنت بحاجة لكرسي مدولب طلبوا مني أن آتي إلى الجمعية لكي يمنحوني إياها وأنا غير قادر على مغادرة المنزل.
الشهيد الحي كما تسميه زوجته لم ينل شيئاً من حقوق الجرحى ولا تضمد جراحه تصريحات المسؤولين الغربيين والعرب المتعاطفين مع الوجع السوري حسب تعبير زوجته، التي تضيف قائلة:هذه المرة الأولى الذي يمر فيها يوم المعاق العالمي وزوجي بهذا الوضع لكن أحداً لم يلتفت له، إنهم مشغولون بالحرب، ما نريده فقط أن يوقفوها لكي نعود إلى حلب، بالنسبة لي أريد أن أسافر لكن زوجي يرفض ويريد العودة إلى حلب فور عودة الأمان إليها وأنا باقية معه إلى مالا نهاية.

اقرأ أيضاً: جرحى الحرب يتمكنون من مزاولة المحاماة التي كانت ممنوعة عليهم

تعيش العائلة حالياً في محافظة اللاذقية بالقرب من موقف سبيرو الشهير حيث سقطت قذيفة هناك قبل فترة وجيزة راح ضحيتها العشرات، يقول “أحمد” عندما سمعت صوتها تلونت الدنيا أمامي، قلت في نفسي لحقت بنا قذائفهم إلى هنا، لكن الحمد لله الأولاد لم يصابوا بأذى وكذلك زوجتي كان هذا بمثابة فوز معنوي لي أن عائلتي ظلت بخير.
يحلم “أحمد” بأن يتسنى له المشي من جديد ولو بقدمين اصطناعيتين وأن يجد فرصة عمل يعيش منها وعائلته التي باتت بلا دخل منذ أشهر، (حاله كحال كثيرين من الآثار الانسانية للحرب في سوريا) لكن حلمه الأكبر والأهم هو أن يعود إلى حلب التي يصفها بأنها قادرة أن تمحوا آثار الحرب خلال أيام لكن يجب أن تتوقف الحرب أولا.

سناك سوري – السفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى