تعديل قانون الأحوال الشخصية بعد قانون الأوقاف: تنزيل القوانين بالقفز المظلي
قانون الإعلام لا يشارك في وضعه الإعلاميين... الفرص الضائعة
توسمنا خيراً قبل سنوات عندما راحت الحكومة تضع قوانينها وقراراتها الجديدة على موقع التشاركية خصوصاً تلك التي تهم شريحة واسعة من الناس وترتبط بيوميات السورين. بما يعزز الشفافية الحكومية. كما وتستطلع آرائهم وتعليقاتهم وملاحظاتهم عليها أي تشاركهم في وضعها واتخاذها.
سناك سوري – بلال سليطين
لكن هذا التقدم في الأداء الحكومي من حيث التشارك مع المواطن. مالبث أن تراجع وتحول إلى احتكار للسلطة التي راحت تتخذ القرارات حتى دون أن يسمع المواطن باتخاذها. باستثناء تلك التي كان يتم الإعلان عنها. وعلى سبيل المثال تجربة قانون وزارة الأوقاف الذي لو لم يسرب بعض تفاصيله النائب “نبيل صالح” لكان ربما مر دون أن يعلم به أحد.
هذا التراجع جاء في وقت ارتفع فيه منسوب اهتمام المواطن السوري بالشأن العام بعد عام 2011. وزادت رغبته في المشاركة بصنع القرار. فهو متعطش لكي يكون شريكاً في السلطة في ظل فشل العملية الانتخابية. بتوفير شعور داخلي لديه بأنه ممثل في السلطة وصنع القرار.
لقد عبر المواطن عن احتياجه بوضوح لمن يريد أن يرصد الاحتياجات. وبدل أن يُلبى هذا الاحتياج راحت السلطة تذهب بعيداً باستثارها بالقرار مهمشةً مفهوم التشاركية التي لطالما تحدثت عنه الحكومة ومسؤولوها في تصريحاتهم إلى جانب الشفافية. حتى أصبح المواطن على قناعة أنه كلما تحدث المسؤولون عن مفهوم ما بالإعلام سينحرم من رؤية تطبيقه على أرض الواقع حتى ولو كانت البلاد بأمس الحاجة لتكريس هذا المفهوم فعلياً لا نظرياً.
الدافع وراء هذا الحديث اليوم يأتي من تطور هذا الإقصاء ليصل إلى حد تهميش المعنيين المباشرين والمختصين من المشاركة حتى في صناعة هذه القوانين التي يجب عليهم أن يطبقوها. ولنا في المثالين المتعلقين بقانون الإعلام وقانون الأحوال الشخصية خير دليل.
اقرأ أيضاً: تعديل قانون الأوقاف: حذف الفريق الديني الشبابي وتعديلات أخرى
قبل فترة فوجئنا بحديث مقتضب لقاضي يقول إنه يتم العمل على إعداد قانون جديد للإعلام. بدأنا الاتصالات بالمعنيين في هذه المهنة والمختصين بها في سوريا إن كان لديهم أي معلومات حول هذا القانون فكانت الإجابة “كلا” سمعنا به مثل أي شخص آخر.
قانون إعلام سيتم تطبيقه على الصحفيين تتم صياغته دون أن يشاركوا به. دون أن تستمزج آرائهم حول محدداته أو خطوطه العريضة. دون أي إجراءات تمهيدية يتم اتخاذها معهم. فقد قررت السلطة أنها تريد تغيير القانون ويجري العمل على ذلك. وغداً يطالعوننا بقانون جديد وعلينا الالتزام به حتى ولو كان قاصراً. لكن المضحك المبكي أن القانون الصادر عام 2012 لم تطبق بنوده كاملة حتى الآن. (يعني منغير القانون قبل تطبيقه!).
واليوم يطالعنا أيضاً مصدر قضائي بمعلومة مفادها أنه يتم تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يُنتظر تعديله منذ عشرات السنين وفي كل مرة يتم تأجيل التعديل أو العدول عن الفكرة من أساسها.
قانون الأحوال الشخصية الذي يمس كل مواطن سوري ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان السوري يتم العمل على تعديل نصوصه حالياً بشكل منفرد أيضاً. فلم تتم مشاورة منظمات أو نشطاء المجتمع المدني ولا يوجد أي نقاش عام حول التعديلات. وربما نستيقظ غداً نراه معدلاً. بتعديلات شكلية تحافظ على كل الانتهاكات السابقة الواردة فيه وربما تجملها من يدري.
اقرأ أيضاً: صناعة الانتصار الوهمي، الحرب مستمرة – بلال سليطين
السياق الذي يتم العمل فيه على القوانين يقودنا إلى سيناريو القانون رقم 10 وقانون الأوقاف. وكأن أحداً لم يتعلم من الدرس ويرى الخلل الواضح في صدور هذين القانونين من خلال عدم إشراك المعنيين في صياغتهم أو اطلاعهم عليهم بشكل مسبق وما نتج عن هذا الأمر من أزمة ثقة وفتح أبواب التسييس وما إلى ذلك. حيث أن هذين القانونين لو أتيحت فرصة الاطلاع عليهما قبل إصدارهما ربما كانت سوريا تجاوزت الأزمة التي نتجت عنهما ولما اضطررنا للمرور بهكذا أزمة أصلاً.
المواطن ليس أداةً فقط للتنفيذ إنه الحامل الرئيسي لكل القوانين. وهو ليس جاهلاً بل هو عارف قادر محتاج لأن يشعر أنه ممثل حقاً في السلطة وأن له رأياً فيها. وربما يستطيع برأيه أن يصحح أخطاء وهفوات بعض من يصوغ القوانين والتي ظهرت واضحة في أكثر من قانون سبق.
وأخيراً وليس آخراً قانونا الإعلام والأحوال الشخصية هما فرصة كبيرة لإجراء تطوير على صعيد الحقوق والحريات وإشراك أهل الاختصاص في صياغتهما وطرحهما للتشاركية سيعزز من هذه الفرصة. بينما سياسة الإقصاء والتهميش من شأنها أن تضيع الفرصة وتعمق أزمة الثقة في البلاد.