الرئيسيةيوميات مواطن

هناك انفراجة وسنصبح من الشعوب المحترمة – شاهر جوهر

أجل هناك انفراجة.. على ذمة المصدر!

بعد أن أخذ ينفض الزيت من قاعدته المهترئة، حملت رأس ببوري القديم وجررت ساقاي إلى أحد المحال التجارية الخاصة بتبديل قطع مواد الصحيّة.

سناك سوري – شاهر جوهر

كان المحل كبيراً ويعوم بقطع الغيار، يصح هنا قول القائل أنك ستجد فيه ماتريد من الإبرة إلى الجمل. لهذا جعلت أنتظر لينتهي بعض الأشخاص، ممن يحدثون زحمة، من الابتياع حتى أشتري رأساً جديداً. عند باب المحل يجلس رجلين خمسينيين وفي يد كل منهما علبة كولا بلاستيكية، كان أحدهما كثير الحركة والكلام، والآخر عبارة عن متلقي بعينان ناعستان وأقصى ما يفعله هو الإنشداه لما يقوله رفيقه.

زرعتُ عيناي بوجههما، إنهما يمتلكان وجهان مكرران هنا. تخيلو بقايا أسنان جاري “عمر” المتخشبة و المصفرّة، وعينا الداية “هنية” المتغضنتان، وصلعة “ممدوح” زوج “رانيا”، وأنف “محاسن المستذئبة” الطويل الذي يرف على الدوام حين تتحدث، إن وجهي هذين الرجلين يجمعان كل تقاسيم هؤلاء البسطاء الذين أعرفهم في حياتي وكذلك منطق حكمتهما.

كانا غارقان في حديث عام، لكن ما شده انتباهي هو ما قاله الأول:
– … الضربة التي لا تقتلك تقويك
فرد عليه الآخر بهدوء:
– صحيح، لكن بعض الضربات تصيب بالشلل
– هناك انفراجة، اي والله، وقريباً ستصبح ربطة الخبز بـ 12 ليرة ونصف، هذا كلام موثوق، أي والله، وستصبح ربطة الخبز بكيسين بدل الكيس، كيسين وعلّم على كلامي إن لم يحصل ذلك، والرغيف سيصبح مدور وكبييير هكذا ثم حلّق بيديه بدائرة كبيرة بمقاس نصف متر، وبثلاث طبقات ومعجون بالحليب والسكر والقشطة مثل الشعوب التي تحترم حالها، سنصبح من الشعوب المحترمة، والربطة الواحدة تسعة أرغفة، تسعة أرغفة، هناك انفراجة أقسم بالله، أنا بحياتي لم أكذب.

اقرأ أيضاً: أنا شاب ثلاثيني عاجز – شاهر جوهر

كان رفيقه ذو العينان الناعستان يكرع الكولا بهدوء ويهز رأسه بتعجب واندماج وهو يستمع لانفراجات رفيقه بأسارير مبتهجة، حيث أضاف رفيقه:
– وسيتم منح رواتب للعاطلين عن العمل، أي والله، ورحمة وداد هناك انفراجة، لكان، نحنا ببلد صار لازم ينهض، يشد حاله شوي ويقوم .. رواتب لكل شخص عطّال بطّال، وسيقوم كل شخص باستلام راتبه من المصرف التجاري، الرجال يستلمون رواتبهم من المصرف التجاري أما النساء العاطلة عن العمل سوف تستلم راتبها من المصرف العقاري كل شهر، ليش برأيك؟
-ليش؟
– حتى لا تقع هناك زحمة، سمعتهم يقولون ذلك في التلفزيون، تفاءل يا أخي فالقدر معلّق بالمنطق.

صاح عليّ صاحب المحل، فقطع اتصالي بهما، دخلت معه في سراديب محله الطويلة نبحث عن رأس لببوري بقياس متوسط.

وحين خرجت كان الرجلان في مكانهما يجلسان. لكن الرجل الرديف والهادئ ذو العينان الناعستان قد أنهى علبة الكولا. وقف وصاح باشمئزاز:
– هناك انفراجة نعم، لكن هنا ب …
ثم فرج ساقيه الهزيلتين وأشار باصبعه إلى ما بينهما. وأردف ذلك يضحك ضحكة “أيمن زيدان” في مسلسل يوميات مدير عام.

وفق داروين إن أكثر الأنواع أفراداً أكثرها حظاً في إنتاج تحولات مفيدة في زمن معين، أي أنها أوفر الأنواع إنتاجاً. يسوقنا هذا الاعتبار الدارويني إلى التسليم بأننا نحن السوريون بقايا الفينيقيين جنس من الأجناس البشرية النادرة ممن “ضربها الاستضعاف في معمعة التناحر على الحياة فأصبحت مُستهدَفة لحروب شعواء تشنها عليها الأنواع المُحسنة” حتى أتى عليها الإنقراض.

وخلال سنوات الصراع تكاثرت تلك الأنواع الداروينية المحسنة من حولنا كمثل هذان الرجلان الطيبان. ففي حياتنا اليوم أشخاص كثر على شاكلة هذان المتفائلان ممن ضربهم الاستضعاف في معمعة هذه السنوات الرتيبة والقاسية.

اقرأ أيضاً: حكاية مطعس وجاره.. هكذا لم يمت الخير فينا – شاهر جوهر

زر الذهاب إلى الأعلى