الرئيسيةرأي وتحليل

معركة الجنوب.. تشابك سياسي

“مازن بلال” يكتب عن الجنوب السوري

سناك سوري-مازن بلال

يقدم احتدام المعارك في الجنوب السوري صورة لمرحلة حرجة في الصراع الدائر، فرغم التصريحات من كافة الأطراف إلا أن القتال مازال في منطقة “اللجاة” بين محافظتي “درعا” و”السويداء”، فالمعارك لم تصل بشكل فعلي إلى مناطق التوتر الأكثر سخونة وحساسية بالنسبة لبعض أطراف المعارضة، والمعارك الصعبة في “اللجاة” تحمل هدفا تكتيكيا بالنسبة للجيش السوري؛ يتمثل في الدرجة الأولى تحديد منطقة القتال في “درعا” عبر تقليص امتدادات المسلحين في “السويداء”، وعزل “اللجاة” كمنطقة وعرة وصعبة يمكن أن يلجأ إليها المسلحون مستقبلا.

وتبدو الاشتباكات الحالية بوابة لتحصين منطقة “السويداء” أكثر من كونها معركة فاصلة تمس منطقة خفض التصعيد في الجنوب الغربي لسورية، فروسيا ودمشق يسعيان إلى إعادة تشكيل جبهات الجنوب السوري، بحيث تنفصل معارك “درعا” عن التواجد الأمريكي في “التنف”، وجعل محافظة “السويداء” منطقة يسهل فيها التحرك باتجاه الشرق نحو “التنف” أو غربا للوصول إلى “درعا”، ورغم أن هذه المنطقة خالية نوعا ما من التواجد المسلح لكنها بقيت طوال سنوات الأزمة مساحة رخوة يعبرها المسلحون، أو يهددون من خلالها مناطقة سيطرة الدولة في المحافظة.

المعارك الحالية لا يمكن النظر إليها كنقطة انطلاق نحو حسم التواجد المسلح في “درعا”، إنما اختبار عسكري ودبلوماسي لآليات التعامل مع ملف الجنوب بشكل العام، فالاشتباكات التي تدور حاليا تقدم مؤشرين:

الأول: جدية تحديد منطقة الاشتباك ضمن الجنوب الغربي لسورية، وعدم السماح بأن يصبح الجنوب السوري بأكمله مسرحا لصدامات على طول الحدود الأردنية السورية.

الثاني: مرتبط بجهود المصالحة الروسية بالدرجة الأولى، حيث تبدو المعارك اختبارا حقيقيا لقدرة الروس على ضمن مجموعات جديدة من المتمردين في إطار “الحرب ضد الإرهاب”.

اقرأ أيضاً: ورقة الجنوب السوري … مازن بلال

عمليا فإن المعارك الحالية تحاول اختراق جبهات الجنوب عبر “الردع”، ما يتيح لخطوط “المصالحة التي يقودها الروس النجاح في تحييد بعض المجموعات المسلحة، وتفتيت أي تماسك قائم بين تلك الأجنحة العسكرية المنتشرة ما بين “حوران” و”الجولان” المحتل، على الأخص أن خطوط الاتصال الأخرى مع قيادات المسلحين هي في أضعف حالاتها، وهذه الآلية تساعد “موسكو” أيضا في إدارة التفاوض للوصول إلى إنهاء ملف الجنوب.

إرسال حشود عسكرية إلى منطقة الجنوب لا يعني بالضرورة أن العملية العسكرية باتت الحل الوحيد، فالتوازن في تلك المنطقة لن يكون عسكريا بشكل مطلق، وأي إنهاء للملف في “درعا” و”الجولان” المحتل يحوي من التعقيدات الإقليمية ما يجعل الحل العسكري خيارا تحاول “موسكو” على الأقل تجنبه، فهو يعني تماسا مع الاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى، وتدهورا في العلاقة ما بين “موسكو” و”عمان” التي تعتمد الحذر اليوم في نظرتها لمعركة الجنوب.

ربما تحاول المجموعات المسلحة التحصن بحساسية الوضع في الجنوب؛ لكن عليها إدراك أن المساحات أمامها أصبحت مغلقة أكثر من السابق، فالرهان على صعوبة الحل العسكري لن تؤدي في النهاية إلى حلول تساعدها، فالاختراقات الدبلوماسية مازالت موجودة والطرف الأمريكي لا يبدو مستعدا لمغامرة كبرى في الجنوب السوري على حساب نفوذه في الشمال، وتبقى الاحتمالات السياسية هي الأكثر حضورا لكنها بالتأكيد ليست وحيدة وسط الصراع القائم.

اقرأ أيضا: الشمال السوري.. مثلث المواجهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى