الرئيسيةرأي وتحليل

محطات من تدمير وإحراق المدن السورية_ حسان يونس

عقيدة الخصب.. واقع معاش يغذّي قدرتنا على الانبعاث من تحت الركام ومن بين الحرائق

سناك سوري- حسان يونس

إن المشهد المأساوي لاحتراق الغابات السورية، خاصة غابات الأرز والشوح في صلنفة والغاب ومصياف وبانياس والسويداء، وقبلها بأشهر احتراق آلاف هكتارات القمح في الجزيرة السورية والسويداء وحمص وحماة، هذا المشهد رغم معاني البؤس واليأس، التي تكتنفه، قد يحمل معاني أخرى وفق مقاييس التاريخ السوري.

ذلك أنه لا توجد مدينة سورية، إلا وجرى تدميرها وإحراقها، ومن ثم أعيد بناؤها مرات، وبعض هذه المدن دُمِرت مرة واحدة، والى الأبد، لكنها عادت لتنبت وتنمو في مدن وحواضر مجاورة، والغابات السورية هي جزء من هذا النبض الذي يتقلص ويتمدد بين الدمار والموت والاحتراق وبين البناء والحياة والاخضرار.

دمشق العاصمة دُمِرت على يد الملك “الآشوري تغلات فلاصر الثالث ” 732 ق.م، وسيق سكانها بالكامل مع ممتلكاتهم إلى مكان آخر من الإمبراطورية الآشورية، فيما استوطنها آخرون بديلا عنهم، وذلك بعد حروب مريرة بين الدولة الآشورية والممالك الآرامية بزعامة دمشق، امتدت بين نهاية القرن التاسع وبداية القرن الثامن ق.م، وأتت على كافة القرى والبلدات والأشجار، التي كانت تحيط بدمشق آنذاك، وفق ما يورد فراس السواح في كتابه المعنون “آرام دمشق وإسرائيل”.

اقرأ أيضاً: تكريم فيروز وذبح الفلاسفة – حسان يونس

وفي 1400 م قام تيمورلنك بنهب وسلب واستباحة دمشق ثمانين يوما، وقبل انسحابه أضرم النار فيها، فاحترقت عن بكرة أبيها، لكثرة استعمال الأخشاب في بناء المنازل والأسواق والمعابد، وأصبحت دمشق يومها خرابة لمدة عام من بعد الدمار التيمورلنكي الشهير، وفق ما يورد أكرم حسن العلبي في كتابه “تيمورلنك وحكايته مع دمشق”، عانت دمشق كذلك من دمار وحرائق جزئية 750 م عند انتقال كرسي الحكم من الأمويين إلى العباسيين وكذلك عام 1075 عند انتقال كرسي الحكم فيها من الفاطميين إلى السلاجقة، وكذلك في “طوشة الستين” 1860م، التي تمزّق فيها النسيج الاجتماعي بسكين الفتنة الطائفية، كما سقط فيها 5000- 10000 آلاف من أبنائها، ونزح عنها عشرات الآلاف من سكانها وفقا لمذكرات كتبها “ابراهيم عربيلي”، عام 1913 م، وهو أحد الناجين من المذبحة، ولا تزال آثار هذه المذبحة المحرقة ماثلة في حي القيمرية.

كما عانت دمشق من الدمار حرقا على يد الفرنسيين 1925م، الذين قصفوا ودكّوا واحرقوا المدينة لمدة ثلاثة أيام، ولا تزال آثار قصفهم قائمة في الحي المسمى بالحريقة.

وعلى خطا دمشق سارت حلب، التي وثّق أطوار دمارها الباحث المؤرخ “محمد قجة”، بدءا من اجتياح الفرس اﻹخمينيين لها وتدميرها عام 540ق.م، ومن ثم إعادة تدميرها على يد الفرس البارثيين 40ق.م، في إطار حروبهم مع الرومان، وفي 540م اجتاحها كسرى أنوشروان الساساني، ودمرها وهدم الكاتدرائية الكبرى فيها،

كذلك عانت حلب بين عامي (610 حتى 629 م) من الحروب الطاحنة بين الفرس والبيزنطيين التي دمرت المنطقة وخلفت المدن المنسية  في ريف ادلب.

وفي عام 962 م، عانت المدينة من دمار رهيب على يد”نقفور فوكاس” البيزطي، الذي أحرقها وساق رجالها عبيدا وأسرى في إطار صراعه مع الحمدانيين .

ومن ثم دُمِرت حلب على يد الغازي المغولي “هوﻻكو” في 1260 م، ثم أعاد تدميرها الغازي التتري تيمورلنك في 1400 م، وقد دمرها تيمورلنك مرتين، في طريقه لغزو دمشق، وفي طريق عودته من غزو دمشق.

الى جانب ذلك دُمِرت حلب في زلزال 1822 م، الذي دمر أكثر من نصف المدينة وقتل عشرات الآلاف من سكانها .

اقرأ أيضاً: الحصار عبر التاريخ.. بابل وتدمر نموذجاً- حسان يونس

هذا المحطات المتسلسلة من الدمار في المدن الكبرى كحلب ودمشق هي نموذج عانت منه سورية إجمالا، إذ يورد “صقر أبي فخر” في كتابه “أعيان الشام”، أن حلب في القرن السادس عشر كانت تضم 3200 قرية لم يبق منها في القرن الثامن عشر إلا 400 قرية، أما ولاية طرابلس، فكانت تضم 3200 قرية، لم يبقى منها إلا 400 في ذات الفترة، لذلك تكثر لفظة “الخربة” في تسمية القرى السورية، التي عادت لتنبت على أنقاض تلك الخرائب.
إن المأساة الماثلة أمامنا رغم عمقها، هي جزء من هذا النبض، الذي يتذبذب بين الخراب والاعمار، ورغم المأساة، إلا أن الإحباط واليأس وانسداد الأفق لا مبرّر له، فأسطورة طائر الفينيق –وعقيدة الخصب المولدة لها- ليست خرافة، بل هي واقع معاش، يغذّي قدرتنا على الانبعاث من تحت الركام، ومن بين الحرائق، وأشجار الأرز التي عاصرت كل أطوار التاريخ السوري، وشاركت في بناء أهم معابد المنطقة في الهلال الخصيب ومصر شاهد على ذلك.

اقرأ أيضاً: الجزيرة السورية واستعادة الحياة من براثن العدم- حسان يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى