أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليل

ماذا تعلّمتُ كسوريٍّ من التجربة اللبنانية .. انتخاب جوزيف عون

هل يريد السوريون اتفاق طائف أم يصنعون طائفهم في دمشق؟

تابع كثيرون جلسة انتخاب قائد الجيش اللبناني “جوزيف عون” رئيساً للجمهورية في “لبنان” بأكثرية ساحقة بعد أن اتفق عليه اللاعبون الدوليون وبالتالي حلفائهم المحليين الذين نفّذوا عملية التصويت.

سناك سوري _ محمد العمر

ويعلم الجميع بما فيهم المصوّتون أن انتخاب “عون” يخالف بوضوح النص الدستوري الذي يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى (ومنهم قائد الجيش) لموقع رئاسة الجمهورية قبل مرور عامين على استقالتهم.

كما شاهد العالم كيف مرّ أكثر من عامين على فراغ الموقع الرئاسي للبلاد منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق “ميشال عون”، وبدأ منذ ذلك الحين استعصاء هائل بين فريقين سياسيين يصرّ كل منهما على إجبار الآخر على انتخاب مرشحه، وعجز أحدهما منفرداً على إيصال مرشحه.

تسارعت الأحداث في الأشهر الأخيرة، تلقّى “حزب الله” ضربات قاصمة ووافق “لبنان” على الهدنة مع “كيان الاحتلال”، سقط النظام السوري، انسحبت “إيران” من “سوريا”، تغيّرت الإدارة الأمريكية وعاد “ترامب” للرئاسة.

انقلب المشهد اللبناني إثر ذلك، وعادت “السعودية” للحضور بقوة في مشهد التدخل داخل “لبنان” لا سيما في ملف انتخاب الرئيس عبر الموفد السعودي الأمير “يزيد بن محمد آل فرحان”.

وضمن السجالات الداخلية بين الأفرقاء، لم ينجح “عون” في الدورة الأولى بالحصول على غالبية الثلثين، وتم تأجيل الجلسة لساعتين تم خلالهما الاتفاق مع نواب “حزب الله” و”حركة أمل” للتصويت لـ”عون” بشرط أن يكلّف “نجيب ميقاتي” رئيساً للحكومة.

هذه هي الصورة العامة بشكل بسيط لما حدث اليوم لكن خلفياتها وسياقاتها تعود لسنوات وستستمر آثارها لسنوات.

ماذا يتعلم السوريون؟

أيّ مفارقة في أن يصل للمنصب بمخالفة للدستور لكنه يبدأ عهده بقسم اليمين على أن يحافظ على الدستور.

لقد مرّ “لبنان” بحرب أهلية دامت 15 عاماً وانتهت بـ”اتفاق الطائف” الذي اعتبر دستوراً للبلاد، في ظرف يشبه ما مرّت به “سوريا” وما تعيشه حالياً من بحثٍ عن مسار الانتقال من الحرب إلى السلم.

لكن “اتفاق الطائف” حدث تحت الضغط الخارجي إذ أجبرت الأطراف اللبنانية على التوافق عليه وإعلانه إثر اتفاق “سوري سعودي أمريكي” حينها، فهل يريد السوريون “طائفاً” خاصاً بهم تكتبه لهم الأطراف الخارجية؟.

على مدار 3 عقود حدثت عشرات الخروقات والانتهاكات للدستور الذي لم يكتبه اللبنانيون، وتنامى شعور الظلم لدى فئة هنا والتفوق لدى فئة هناك وبالعكس بحسب المرحلة.

أصبح “لبنان” مشاعاً للتدخلات الخارجية فصارت دول الإقليم تختار رئيسه ورئيس حكومته وتنتخب له نوابه وتحدد له مواقفه حتى استحال “لا دولة”.

تحوّلت الجمهورية اللبنانية إلى إمارات للطوائف، تتقاسم المناصب وتتحاصص الثروات والنهب بين ملوكها وتترك شعبها للحروب الأهلية المحتملة في أي لحظة.

إن اللحظة الحاسمة هي ما تعيشه “سوريا” حالياً فإما أن يقرّر السوريون مصيرهم ويكتبون دستورهم واتفاقهم بيدهم جميعاً، وإما أن يسيروا على خطى “لبنان” إن سلّموا المفاتيح للخارج وأصبحوا أدوات للدول ينفذون سياساتها، إذ يبدو مضحكاً مثلاً أن 99 نائباً اتفقوا اليوم على انتخاب “عون” تركوا بلدهم 26 شهراً بلا رئيس وهم يتناحرون بأمر خارجي وسرعان ما اتفقوا حين اتفقت دول الخارج وصاروا يصفّقون طرباً ويتعانقون كأخوة.

لن تسلم “سوريا” من محاولات الخارج تطبيق النموذج اللبناني لتحويلها إلى مشاعٍ للدول، لكن الأمر اليوم بيد أبنائها وسياسييها والفاعلين في ساحتها، وسيكون “مؤتمر الحوار” المزمع عقده اختباراً لمواقف الجميع سيحفظها التاريخ ليخبرها لأجيال قادمة مصيرهم اليوم محكوم بمجريات ما سيكتبه آباؤهم.

زر الذهاب إلى الأعلى