الرئيسيةرأي وتحليل

نتائج ثورة الثامن من آذار: يوم بنيت الدولة باليمين ودمرت بالشمال

في مثل هذا اليوم من عام 1963 بدأت سوريا عهداً جديداً عرف بمرحلة ما بعد ثورة “الثامن من آذار” التي ينسب لها كل المنجزات والنتائج التي حققتها “سوريا” بعد ذلك التاريخ. في العهد الجديد صنع استقرار على مستوى السلطة وبنيت الدولة السورية الحديثة وأضحت قويةً لديها مؤسسات متماسكة وناشطة في مختلف أنحاء البلاد.

سناك سوري – بلال سليطين

حظي التعليم باهتمام بالغ فانتشرت الجامعات على مستوى سوريا كلها في دير الزور ودمشق وحمص وحلب واللاذقية. كما بنيت المدارس المجانية من أوساط المدن إلى أقصى الريف البعيد. وبدأت مشاريع تمديد شبكات الكهرباء والمياه إلخ.

كما انتشرت المحاكم ودور القضاء وكذلك المستشفيات في مختلف أنحاء البلاد. كانت أبنية المؤسسات الحكومة وأنظمة الدولة تنتشر وتتوسع بشكل واضح في كل البلاد. سد الفرات. المراكز الثقافية. مصافي النفط. القوانين. الهياكل الإدارية … إلخ.

كما ألغى العهد الجديد الاقطاعية والبرجوازية. وعمل على تنظيم الشعب بكل فئاته في متظمات للعمال والفلاحين. والطلبة …. إلخ. ونجح في تحقيق الاكتفاء الذاتي لسوريا خلال العقود السابقة.

اقرأ أيضانعم معالي الوزير قطاع النقل “إلى سوريا بألف ألف خير”

إنجازات ونتائج عديدة حققتها مرحلة مابعد ثورة الثامن من آذار. قد يكون أهمها أنها بنت مؤسسات الدولة. وأنتجت حضوراً سياسياً وازناً لسوريا على الصعيد الإقليمي وحتى الدولي. وباتت سوريا تُستشار في كل ملفات المنطقة ويحسب حسابها حتى في تعيين وزراء الخارجية ببعض الدول.

كانت مرحلة من الاستقرار في سوريا وحتى الازدهار النسبي في بعض المراحل. لكنه كان استقراراً هشاً مالبث أن اهتز في أول مناسبة.

بالمقابل غيّبت تلك المرحلة العمل السياسي عن البلاد. وجعلتها وطن اللون والفكر الواحد. فطمست الأحزاب وتراجعت الحريات والحقوق الفردية مقابل الحقوق الجماعية كالصحة والتعليم.

غياب العمل السياسي أدى لغياب الصوت الآخر ومعه الرقابة فتحولت المنظمات إلى أداة بيد السلطة تسعى لخدمتها على حساب من تمثلهم. وأصبح النقد جريمة والنقاد أعداء الوطن.

أضحى الفاسد بطلاً لا يستطيع أحدُ أن يطاله. يعتلي المنابر وينظِّر على المواطنين الفقراء الشرفاء. حتى رجال الدين أصبح بالنسبة لهم الجمركي الفاسد الذي تحول في يوم وليلة من شحاد إلى مليونير “أصبح شخصاً ذهب إلى الجمارك والله رزقه” لكن كيف رزقه!!.

اقرأ أيضا : دمشق تدفع ثمن تفريغ الإعلام والمجتمع المدني من دورهما

نخر الفساد عظم الدولة وأضعف قوتها. كما كانت الأعين مشغولة عنه بالشعارات البراقة. والصحافة التي تُجمل كل شيء. فارتقى الفاسدون واستبعد أصحاب الأيادي البيضاء والعقول.

اهتمت المرحلة السابقة بالشكل كثيراً جداً وتركت المضمون. حيث نشر عهد آذار المدارس لكنه لم ينشر التعليم فعلياً. فتحولت المدارس إلى مباني أكثر مما هي مدارس في بعض الأحيان. وكذلك الجامعات التي غاب عنها البحث العلمي.

وكذلك حال القطاع الصحي الذي نشر المستشفيات لكنه فشل في تحقيق مستوى أدنى من الخدمات الطبية رغم أهميتها. وتحولت إلى مشافي للموت وليس للحياة.

الحال ذاته يشمل المحاكم التي كثرت أبنيتها وقلّ عدلها. كما وأصبحت الدعاوي تمكث في الدروج عقوداً من الزمن. والعدل يطبق على أناس دون غيرهم.

حتى شعارات مواجهة الأمبريالية والبرجوازية والاقطاعية تبددت لاحقاً. كما بات المسؤولون والرفاق أكثر برجوازية من البرجوازيين أنفسهم “قصور. وسيارات. وخدم. ومرافقة … إلخ”.

ولم يكن الأمن أفضل حالاً فقد انتشرت الأجهزة الأمنية لكنها فشلت في تحقيق الأمن الحقيقي. كما كان أمناً هشاً اهتز مسرعاً وتبين أن السلاح يمر من تحته دون أن يدري.

من الصعب جداً اختصار المرحلة في سطور. لكن يمكن القول أن البلاد كانت بحاجة صوت آخر. كما بحاجة عمل سياسي. ونقد وناقدين. بحاجة الحفاظ على مكتسباتها وتصحيح أخطائها. بحاجة المزيد من البناء. لم تكن نهائياً بحاجة الدمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى