الرئيسيةرأي وتحليل

صديقتي الحكومة: ارحمي راتبي من الدوام كل يوم

التشديد على الدوام في مؤسسات تعتمد على الجهد الفكري يشبه قتل الموهبة

سناك سوري-وفاء محمد

كانت ثقتي بالحكومة تهتز كلما رأيت المهربات تغزو الأسواق، من ملابس لأحذية ومواد غذائية، تلك الثقة بقوة الحكومة وقدرتها على ضبط الأمور داخل البلاد المتعبة بالحرب والعقوبات والحصار، بدأت تعود ليّ تدريجياً، مع إعادة التشديد على الدوام الرسمي للموظفين مؤخراً، وإعادة جهاز البصمة للعمل في عدد من المؤسسات مثل المالية والمركز الإذاعي والتلفزيوني في “اللاذقية”، والتي كان قد أوقف العمل بها من ضمن جملة التدابير الاحترازية من فايروس كورونا العام الفائت.

لماذا قرار التشديد على الدوام اليوم؟

طيلة الفترة السابقة كان هناك تراخٍ في دوام الموظفين، بوجود ما يشبه الاتفاق بين المدراء وموظفيهم، إنجاز الأعمال مقابل تسهيلات تتعلق بالحضور اليومي، في ظل أزمات النقل نتيجة قلة توافر البنزين والمازوت لوسائل النقل العامة، وكانت الأمور مضبوطة بدليل أن “الأمور كانت ماشية”.

ما الذي يمنع الصحفي من ممارسة عمله من منزله؟، ولماذا الإصرار على حضوره لدوامه الرسمي كل يوم، فقط ليبصم مرتين واحدة صباحاً وأخرى بعد الظهر، ذلك المقعد في السرفيس الذي احتاجه للوصول إلى عمله، يحتاجه شخص آخر مثل طالب الجامعة لأمر أكثر أهمية، فالطالب لا يستطيع حضور محاضرته في المنزل، أو إجراء الامتحان مثلاً.

نعم الظروف الاستثنائية التي نعيشها، تفرض علينا تفكيراً مشابهاً، تفكيراً حتى في مقعد السرفيس ومنحه لمن هو بحاجة له أكثر من الآخر، إنها ظروف العقوبات والحصار التي يتذرع بها المسؤولون، دون أن يحق للمواطن التعبير عن تبعاتها عليه!.

ما الذي يمنع في مؤسسات خدمية مثل المالية والسياحة (فرض فيهما الدوام مؤخراً)، أن يتم تقاسم الدوام على موظفي القسم الواحد ضمن مناوبات معينة يختارها رئيس القسم، هل بتنا سنسمع اليوم كلمات مثل الحاجة لوجود الموظفين، بينما كان السائد سابقاً سماع تصريحات من نمط البطالة المقنعة؟!، لماذا لا نستفيد من تلك البطالة المقنعة اليوم في تخفيف الأعباء على الموظفين قليلاً؟!.

اقرأ أيضاً: سوريا: موظفون يتقاسمون الدوام لتخفيف أجور المواصلات

هل يكفي الراتب؟

في “اللاذقية” الثمن الأكبر يدفعه أبناء الريف من الموظفين، الذين يتكبدون معاناة مضاعفة، سواء بانتظار الحصول على شبه مقعد في سرفيس، أو حتى أجور النقل التي يضطرون لدفعها يومياً للوصول إلى أعمالهم.

على سبيل المثال، من يسكن في ريف “جبلة” ودوامه في “اللاذقية”، يحتاج نحو 3000 ليرة يومياً كأجرة مواصلات (سرافيس وليس تكاسي)، ومن يسكن في ريف “اللاذقية” يحتاج بين 1000 وحتى 1600 ليرة، باحتسابها على عدد أيام الدوام من الممكن أن توازي تكلفتها أو تقل أو حتى تزيد عن قيمة الراتب الذي يبلغ متوسطه 75 ألف ليرة تقريباً، فما هو الحل لهذه المعضلة.

إجازات بلا راتب

لجأ عدد لا بأس به من الموظفين للتقدم بطلب إجازة بلا راتب، فالتخلي عن وظيفة الدولة أمر صعب بمزاياها التأمينية، وبنفس الوقت لا سبيل أبداً للاستمرار بها في الوقت الراهن مع كل تلك الصعوبات، التي لم تحاول الحكومة مطلقاً التعامل معها بمرونة نظراً للوضع الاستثنائي، بينما لا يملك المواطن من أمره شيئاً، حين يسمع تبريرات مسؤولي الكهرباء والنفط بقلة المادتين، على أنها ناجمة عن الظروف الاستثنائية، وكأن تلك الظروف مفصلة على مقاس طرف دون آخر في هذه البلاد.

بالمقابل لا يملك كثر ترف أخذ إجازة بلا راتب، بسبب القروض، فالموظف الذي سبق أن حصل على قرض لا يستطيع مطلقاً الحصول على طلب الإجازة بلا راتب، من دون الحصول على براءة ذمة في المصرف، التي لن يتمكن من الحصول عليها إلا في حال سدد كامل قيمة القرض، فكم موظف يستطيع اليوم تسديد كل ما تبقى من قرضه، وعلى فرض كان القرض مليون ليرة مع فوائده، مسدد منه أقساط سنتين، سيتوجب على الموظف تسديد نحو 700 ألف ليرة ليحصل على براءة ذمة، فمن أين له إن كان راتبه لم يكفه أكثر من خبز وأجور مواصلات؟.

هل هي حالة تعجيزية، وماذا تريد الحكومة أن تقول لنا من فرض الدوام والتشدد به في ظل كل ما يعانيه الموظف من مآسي وويلات الحرب، أين المرونة في التعامل ضمن هذه الظروف الاستثنائية كما يطيب للمسؤولين تسميتها؟.

اقرأ أيضاً: موظفون سوريون يدفعون ثلثي الراتب للوصول إلى عملهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى