سوريا: الشتاء يكشّر عن أنيابه في معركة غير عادلة
الدفء في الشتاء السوري: حق بسيط يتحول إلى مغامرة عظيمة
الحصول على كمشة صغيرة من الدفء، أشبه بخوض مغامرة بطولية لدينا بالشتاء في سوريا، حيث بات فصل الشتاء امتحان يومي للصبر والقدرة على التكيف، وبينما تصطك أضلعنا برداً يأتي المدير بكل ما أوتي من جبروت يشتمنا ويشتم جهدنا، شكراً له، أشعرنا ببعض الغضب الذي يدفئ قهراً!
سناك سوري-رحاب تامر
البارحة أعلن الشتاء عن دخوله رسمياً في مدار حياتنا البائسة، حيث الرياح “تقص المسمار”، ولا سبيل لمواجهتها سوى ببعض البطانيات القديمة التي بالكاد تدفئ نفسها، ذلك أن “أبو تالا خاله” من يستطيع شراء بطانية جديدة فاق سعر النوع الجيد منها الـ600 ألف ليرة.
بوصفي مواطنة سورية محظوظة، حصلت على مخصصاتي الكاملة من مازوت التدفئة، 50 ليتراً التي بالكاد تكفي تدفئة طفل صغير لمدة لا تتجاوز عشرة أيام مع التقنين. بالمقابل بدأت لعبة الحفاظ عليها وادخارها للأيام الأشد سواداً وبرداً كما لو أن الخمسين ليتراً تلك كنز نادر عثرت عليه في أعماق الأرض.
بدون كمية كافية من مازوت التدفئة، أنا ومثلي معظم السورين الآخرين، مضطرون لدخول معركة يومية مع الكهرباء، “اجت الكهربا، بسرعة شغلوا الدفاية ليدفا الصالون شوي”. كما لو أننا نستعد لصيد فرصة ذهبية قبل أن تضيع، مضت ساعة، حان وقت العودة للبرد مجدداً.
البحث عن حلول للتدفئة أمر يشبه حديث مديري المستفز غير المتعاطف، فكلاهما ينتهيان بالطريقة الروتينية ذاتها على حساب راحتي ورغباتي، في الأولى لا حل سوى بارتداء خزانة كاملة لأبدو كمومياء متحركة، وفي الثانية لا حل سوى التجاهل ريثما يطفح الكيل.
الملابس مثل التجاهل تماماً، عبارة عن استراتيجية دفاعية في مواجهة البرد والظلم، أفكر بالدفء العائلي كبديل وحل وحيد لكلا المشكلتين، أحتضن طفلتي ونفكر معاً بالمعضلة القادمة كيف سنستحم؟
إن كان دفء محبتنا كافياً لتجاوز حالة البرد، فإنه لن يهبُنا مياهاً ساخنة للاستحمام، فسخان المياه حساس للغاية، لا نستطيع الاعتماد عليه إلا بعد عملية تفاوض كبيرة تفوق مفاوضات جنيف وأستانا صعوبة.
نعقد اجتماعاً عاجلاً مؤلفاً من طرف واحد فقط “نحن المهمشون بلا دفء”، ثم نخرج بقرارات صارمة، لا اقتراب من المياه الساخنة لمدة 3 أيام، 4 ساعات منفصلة من الكهرباء قد تكون كافية للحصول على مياه ساخنة تكفي استحمام واحد منا، نشعر بالإنجاز “تمت المهمة بنجاح”، وما اعتقدناه صعباً بات سهلاً للغاية!
الشتاء في سوريا، قد يكون واحدة من أقسى التجارب على الإطلاق، ومن يخوضها ربما قادر على تجاوز معركة نووية، يقولون إنها باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى.