الرئيسيةرأي وتحليل

سوريا الحالمة لا تميز بين غنيٍ وفقير – أيهم محمود

دمشق التي عشقتْ مركزيتها الشديدة فقدت هويتها

الموارد الطبيعية شحيحة، تحتاج الكثير من الجهد والطاقة لاستخراجها. البحث العلمي والاختراعات وتحويلها إلى صناعات واقتصاد تحتاج الكثير من الجهد والصبر والعمل. الزراعة تحتاج الجهد والصبر على مرور الزمن، كل النشاطات الواقعية التي تمتلك صفة الديمومة والثبات. تتطلب الكثير من الجهد لذلك هي مثل الذهب والمعادن النادرة.

سناك سوري-أيهم محمود

أما الأحلام فهي مجانية ومتاحة دوماً للجميع، سوريا الحالمة لا تميز بين غنيٍ وفقير أثناء توزيع الأحلام على المواطنين وإن اختلفت هذه الأحلام مع اختلاف كمية المال التي ينام الحالم فوقها. تتقاطع أحلام بناء ناطحات السحاب “الدُبيْوية”، مع أحلام إنشاء كشكٍ على رصيف لبيع القهوة السياحية، في مسألة وجود القادمين إلينا في طوابير مع المال السهل لدفع تكاليف الإعمار. المال “العسل” في الجيوب وقد أتى وما علينا سوى جنيه.

هو الحلم نفسه، تطوير دبي السورية ليأتوا من الخارج ويسكبوا مالهم هنا. أو عندما يأتي سياح الداخل والخارج ليشربوا قهوتهم من هذا الكشك، في الحالتين الفكرة واحدة.

كثير من المناطق السياحية والخدمية والمركزية الإدارية المفرطة لم تعد لأهلها، تفكك النسيج الاجتماعي فيها ليصبح الغرباء عنها هم الأكثرية. أو هم الطرف الأقوى والأكثر نفوذاً فيها، في دمشق المدينة التي استمتعت بصباها وقدرتها على إغواء الكفاءات من كل المحافظات للسكن فيها.

مقالات ذات صلة
اقرأ أيضاً: الفساد ومماليك العصر الحديث – أيهم محمود

دمشق التي عشقتْ صورتها الذاتية المنعكسة على نهر بردى، وعشقتْ إلى حدّ الوله مركزيتها الشديدة. فقدت الآن هويتها ونسيجها القديم لتصبح شيئا آخر غير معروف، مدن سوريّة أخرى أيضاً جذبت سكان الأرياف حتى خسرت هويتها. وخسر الريف في الآن نفسه هويته، الضرر هنا له وجهان تبادليان، لقد خسرت قرى ومناطق كثيرة هويتها وجمالها الطبيعي مثل منطقة صلنفة في اللاذقية. ومثل قريتي “عين البيضا” التي تسير على دروب فقدان الهوية والتحول إلى سرطان المناطق السياحية بعد تصوير مشاهد من مسلسل خيال تاريخي قبل عقود.

المدن والأرياف والمناطق ليست حجارةً وأبنية ومال ومصالح فقط، بل هي نسيج معقد من العلاقات الاجتماعية. وعلاقة الأفراد مع بيئتهم الطبيعية، تدفق الغرباء عنها مع المال السهل يسبب تخلخل هذه العلاقات ويضغط بشدة على البيئة الطبيعية حتى يفنيها. كما حدث في مناطق كثيرة بمحافظة اللاذقية، كانت جميلة إلى أن غرقت في هوس السياحة.

عقد الاستقرار الاجتماعي هام للغاية في الحفاظ على تنوع إنتاجية المناطق وتكاملها. بدل تحولها إلى صور هلامية ربما احتاجت قروناً طويلة لإعادة التشكيل والاستقرار، هذا إن استطاعت لذلك سبيلا.

اقرأ أيضاً: الإنسانية العاطفية في حالة التعامل مع الكلاب مثلاً – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى