أخر الأخبارالرئيسيةرأي وتحليلسناك ساخن

رفع الدعم وإجراءات التقشف الحكومية … هل تحل المشكلة؟

هل هذه السياسات الحكومية المناسبة لهذا الواقع

بعد أيام من جلسة مجلس الشعب والحديث عن التوجه لتقليص الدعم الحكومي سمعت نقاشاً بين الجيران مفاده أن ابن أحدهم الطالب في كلية الاقتصاد طرح عليه سؤال حول إجراءات التقشف الحكومية.

سناك سوري _ فراس سلمان

وبحسب الحديث فإن الإجابة الصحيحة هي أن تخفيض الدعم الذي ستلجأ له الحكومة. هو من الحلول العلمية الصحيحة في هذا الإطار. وبالحقيقة فإن الإجابة على هكذا سؤال نظرياً تتضمن تخفيض الدعم والإنفاق على الخدمات العامة وتجميد الأجور وزيادة الضرائب…..الخ.

ولكن هذه الإجابة تتعلق بظروف التقلبات والأداء الاقتصادي أكثر مما تتعلق بظروف الحرب والعقوبات. وأعتقد أن السوريين أنفسهم يذكرون هذه السياسات التقشفية التي طبقت في الثمانينيات في “سوريا”. حيث كانت سياسات مثالية للحالة. ولكن الواقع الاقتصادي أصبح في غاية التأزم والتعقيد.

الواقع الاقتصادي السوري

من الواضح أن الحكومة لن تستطيع الاستمرار بالدعم الذي يستهلك الجزء الأكبر من الموازنة. وفي نفس الوقت من الواضح أن الواقع الاقتصادي تجاوز مرحلة تطبيق الإجراءات التقليدية التي تتبعها سلفاً. في ظل الواقع الذي وصلنا إليه والذي يتلخص في عدة نقاط.

تراجع سعر صرف الليرة في ظل سياسة نقدية غير شفافة. فمن غير المعلوم ما هو سر الانخفاض المستمر للعملة الوطنية. خاصة مع تقييد الاستيراد مقارنة مع حجم التحويلات من الخارج وفي ظل سياسة تقييد نقدي. فراس سلمان

 

فجوة الرواتب والأجور

حيث أصبح أعلى الأجور الشهرية بالعملة الصعبة يقل عن الحد الأدنى لأجر ساعة العمل الواحدة في “الولايات المتحدة” والعديد من الدول. وبمستوى أسعار لا تقل بالنسبة لأغلب السلع عن المستوى العالمي بل تزيد أحياناً. أي أن أجور العاملين كانت أول ضحايا سياسة التقشف.

الإنفاق على الخدمات في أقل مستوياته. وبالتالي لم يعد بالإمكان الحديث عن إمكانيات تخفيض إنفاق جديدة.إضافة إلى تراجع اقتصادي مستمر بالرغم من الوعود الحكومية بانطلاق عجلة الإنتاج وتحسن الأوضاع.

تراجع سعر صرف الليرة في ظل سياسة نقدية غير شفافة. فمن غير المعلوم ما هو سر الانخفاض المستمر للعملة الوطنية. خاصة مع تقييد الاستيراد مقارنة مع حجم التحويلات من الخارج وفي ظل سياسة تقييد نقدي.

إن أغنى الدول أولت اهتماماً خاصاً بتطوير أنظمة مشتريات وعقود الجهات العامة. لأنها بحسب المنظمات الدولية تعتبر من أهم أبواب الفساد والهدر فراس سلمان

 

استنفاذ الطرق التقليدية المتبعة لتحصيل الأموال. مثل زيادة التحصيل الضريبي وفرض الرسوم المالية. وعدم انعكاس الاجراءات المتعلقة بزيادة الحاصل الضريبي والرسوم الإضافية. على تحسين الوضع الاقتصادي ويبدو أن الغاية منها تأمين مبالغ لغايات لا تخدم إعادة توزيع الدخل ودعم الإنتاج.

إجراءات بيروقراطية وليست حلولاً

في السادس من الشهر الحالي أصدر رئيس مجلس الوزراء “حسين عرنوس” بلاغاً يطلب فيه من الجهات العامة إيقاف طباعة المفكرات السنوية حتى إشعار آخر. وذلك بهدف ترشيد الإنفاق العام ورفع كفاءته والاستخدام الأمثل له، وكذلك ترشيد استهلاك مادة الورق.

فإذا ابتدأنا بمناقشة تكاليف استهلاك الجهات العامة للورق. فإننا نجد أن أغلب الخدمات العامة تدار منذ فترة ليست قليلة عن طريق الحواسب والشبكات مثل خدمات السجل المدني ووثائق السفر ووثائق السيارات وحتى حسابات مالية الشركات ومعاملات البنوك…..الخ. ورغم ذلك ما زالت أية معاملة متعلقة بهذه الخدمات تحتاج إلى دستة أوراق. وذلك لأن القانون السوري والجهات الرقابية ما زالت لا تعترف إلا بالورق لعدم صدور تشريع للمعاملات الإلكترونية. ناهيك عن الروتين والمركزية الشديدة التي تزيد من تكاليف أية معاملة.

علماً أن تكلفة الورق الباهظة ليست إلا جزءاً بسيطاً من الهدر. خذْ مثلاً كارثة مشتريات الجهات العامة وصياناتها و التي ما زالت تتم حسب القانون رقم 51 لعام 2004. والذي يقوم على أساليب عفى عليها الزمن. لا بل إن أغنى الدول أولت اهتماماً خاصاً بتطوير أنظمة مشتريات وعقود الجهات العامة. لأنها بحسب المنظمات الدولية تعتبر من أهم أبواب الفساد والهدر. وفي النهاية إذا لم يكن لدى الحكومة حلول . وكان عملها يقتصر على البلاغات والتعاميم لماذا لا نبدأ بتوفير نصف ورق طباعة البلاغات وذلك بتقليص عدد الوزارات والوزراء من 28 وزارة و30 وزير إلى النصف مثلاً.

غياب السياسات التنظيمية

من المسلم به أن “سوريا” مرت خلال أعوام الأزمة بمختلف أشكال الأزمات خلال فترة الحرب. من تقطع طرق المواصلات إلى انقطاع إمدادات الوقود إلى نقص تموين السلع الاستراتيجية …..الخ. وبالطبع تم اتخاذ الإجراءات الهادفة إلى التعامل مع بعض هذه الظروف. مثل إدارة توزيع الموارد المتوفرة باستخدام البطاقة الذكية. ومراقبة سير وسائل النقل العامة بالـ GPS ولكن تلك الإجراءات لم تكن كفيلة بمنع الاختناقات والأزمات.

وذلك لأن السحر الذي توفره وسائل التكنولوجيا الحديثة. بحاجة لسياسات رشيدة للوصول إلى النتائج المرجوة. وللإيضاح أكثر نسأل الحكومة كيف انعكس تركيب أجهزة الـ GPS على برمجة خطوط المواصلات. وإدخال التحسينات التي تتيحها البيانات التي وفرها البرنامج.

الاستفادة من وسائل التكنولوجيا عن طريق سياسات رشيدة. كفيل بحل كثير من الأزمات وبترشيد استهلاك العديد من الموارد الشحيحة. وذلك خلافاً للاستسهال واتخاذ إجراءات كفيلة بإدارة الموجود يوماً بيوم . فراس سلمان

 

وقبل ذلك نسأل عن المنتقلين أنفسهم أليس جلّهم موظفين حكوميين وطلاب جامعات. لماذا لم يتم اتخاذ أي برمجة للتقريب بين أماكن سكنهم وأماكن عملهم أو دراستهم؟ بحيث لا يضطر -على سبيل المثال- ساكن “دمشق” للانتقال إلى الريف وساكن الريف للانتقال إلى “دمشق” يومياً بل يتم المبادلة بينهم.

ولماذا لم تتم الاستفادة من تقنيات العمل والدراسة عن بعد. علماً أن هنالك مكاتب خاصة أتاحت لطلاب بعض الكليات حضور محاضراتهم الجامعية مباشرة عن طريق اشتراك.

وبالنتيجة، فإن الاستفادة من وسائل التكنولوجيا عن طريق سياسات رشيدة. كفيل بحل كثير من الأزمات وبترشيد استهلاك العديد من الموارد الشحيحة. وذلك خلافاً للاستسهال واتخاذ اجراءات كفيلة بإدارة الموجود يوماً بيوم.

حلول مالية بالغة الأهمية…..ولكنها متعثرة

أحد أهم عناصر الأزمة المعيشية الاقتصادية الخانقة هو التراجع المستمر في سعر صرف الليرة. وهو العامل الذي سيستنزف في حال استمراره كل حلول الترشيد والتقشف.  ولكن هناك عامل مهم لضبط سعر الصرف يتمثل في منظومات الدفع والتعامل المالي الإلكتروني الجاري العمل عليه من قبل وزارة الاتصالات والبنك المركزي. والذي يتيح في حال تعميم العمل به في أغلب المعاملات المالية بدل النقد -كما هو معمول به في الصين مثلاً-. تحسين إيرادات الضرائب والتوقف عن طبع كميات إضافية من العملة. لا بل تخفيف كتلة النقد المتداولة من الليرة السورية في السوق. وبالتالي تخفيف المضاربة والضغط على سعر صرف العملة الوطنية.

ولكن على أرض الواقع فإن مشروع الدفع الإلكتروني الذي انطلق منذ ثلاثة أعوام. توقف عند أتمتة دفع فواتير خدمات الهاتف والكهرباء والمياه ولم يصل إلى التعاملات المالية.

وفي إطار ضبط سعر الصرف أيضاً. أبرمت الحكومة عدة اتفاقيات مع عدة دول صديقة بهدف التعامل بين الجانبين بالعملات المحلية. ولكن أياً من هذه الاتفاقات لم ينفذ بعد.

وكنتيجة لكل ما تقدم فإن هناك إمكانية لتحسين الواقع المعاشي الاقتصادي المتردي عن طريق التدخل الحكومي. ولكن باتباع منهجية وسياسات مختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى