الرئيسيةرأي وتحليل

العين مش بالعين وإلا العالم سيصبح أعمى – ناجي سعيد

"عمورابي" جاء ليصحح خطأ جده "حمورابي"

حين قال سقراط جملته الشهيرة: إعرف نفسك بنفسك، لم يكن آنذاك يعمل في جمعية أهلية أو ما يُدعى: NGOs تعمل على التنمية والتربية ومعرفة الذات! بل كان فيلسوفًا، ومدرسته التي أسّست لمادّية “أرسطو” بعيدًا عن مثالية “أفلاطون” غمزت بشدّة لقناة معرفة الذات. فالذات هي بابٌ لانطلاق أي فكر إنساني. والفكر الإنساني، ليخدم تطوّر البشرية، لا بدّ أن يكون تركيزه على معرفة وتقدير الوحدة المكوّنة للبشر وهي الذات الإنسانيّة.

سناك سوري-ناجي سعيد

لمعت الفكرة برأسي شخصيًّا منذ العام 2012 حين بدأت العمل مع جمعية ألمانية تُدعى: “منتدى الخدمة المدنيّة للسلام” فأثناء إقامتي الجبريّة في المدرسة، تذكّرت دروس التاريخ التي لا صلة لها سوى بتاريخ العنف! فالمنهج المدرسي المُقرّر يسوّق لتاريخ يحسبه تاريخًا لأبطال عاشوا في عصور سحيقة. وحين تشكّل وعيي النقدي، بدأتُ أتساءل بماذا يستفيد اللبناني لو عرف قصّة حياة الأمير فخر الدين وبشير الشهابي وغيرهم.. لقد أتعبوا ذاكرتي حينها فقط لأحفظهم وأحصل على علامة النجاح والترفّع إلى السنة التالية.

وما أريد إخباركم به اليوم، هو الشخصية التي رسّخت مقولتها الأشهر في سلوك الناس عنفًا لا يُضاهى! “العين بالعين والسنّ بالسنّ والبادي أظلم”.. الغالبيّة العظمى لا تعرف من هو قائل هذه الجملة. ولكنّهم يؤمنون بتطبيقها، لا بل بحثوا بالقرآن ما يطابق المقولة، ليمتنعوا عن نقاشها أو رفضها. لتصبح من المُسلّمات التي يفترض المقتنعون بها صوابيّتها.

تعرّفت من خلال درس التاريخ الإجباري، بأن العصر الأشوري (وهو مجرّد عصر وليس حضارة) أنجب القائد العسكري “حمّورابي”، ولا أعلم إن كانت قيادته، وراثيّة أم بقوّة السيف. وما تميّز به هذا القائد العسكري، هو ذكاء “أرشيفي”. نعم فأقواله المُدمّرةِ للأجيال، استطاع بذكائه أن يحفظه أرشيف تاريخي تمثّل بحفر “شريعته” على ألواح من الآجرّ (الفخّار)، استعاض عنه بالورق الذي قد يُعرّض للزوال.

اقرأ أيضاً: عنصرية الشرق والغرب – ناجي سعيد

وبالرغم من إيماني الشديد بمقولة الحاضر: “هنا والآن”، إلاّ أنّي لم أغمض عينيّ عن فهم التاريخ ومحاكاته، لا بل محاولة تغيير بعض الألوان القاتمة الدموية، وذلك لإيماني باللاعنف فلسفة حياة عادلة. أستخدم مُخيّلتي لتأليف ما أودّ أن يصل للناس بسرعة. ومخيّلتي ممزوجة بفرح ولعب ورثته عن والدي، البارع المحترف باللعب على الكلام والمزاح، ولكن ليس للسخرية على الأخر. بل لتحميل “المزحة” فكرة نقدية مفيدة للآخرين.

بعد آلاف السنين، استحضرت مُخيّلتي حفيد حفيد حفيد.. حمّورابي، وأطلقت عليه اسم “عمّو رابي” ليأنسه الأطفال الذين هم أمل التغيير المنشود. وصرّح عمّورابي عند وصوله: يا جماعة، أنا جايي صحّح خطأ جدّي الأول حمورابي، لأخبركم أنّ “العين مش بالعين”، ولا تنسوا ما قاله غاندي أبو اللاعنف، العين بالعين وسيصبح العالم أعمى!! ولم تكن مجرّد مقولة بأن العين مش بالعين، فقد ترجمتها مستفيدًا من دراستي في جامعة اللاعنف “أونور”، وصمّمت بعض الأنشطة والألعاب لينفّذها لاحقًا معهم المدرّسون والناشطون في العمل مع الأطفال.

وقد كانت منهجية ترتيب الدليل: الباب الأول: “بعرف مين أنا” وهدف الأنشطة فيه معرفة الذات. الباب الثاني: أنا وأنت وبس، ويهدف إلى معرفة الأخر وعلاقته بالأنا. أمّا الباب الثالث والذي يهدف إلى معرفة أسباب النزاع فهو: ليه منتخانق. والباب الرابع يطرح الحلول المُقترحة للنزاع بعد معرفة الاحتياجات للطرفين. ويناقش الباب الخامس ماهيّة المشاعر والأحاسيس لدى الطرفين أثناء النزاع. ونستعرض في الباب السادس والأخير تجارب لاعنفية ناجحة في لبنان والعالم، لنقول بأن اللاعنف فلسفة لا تقبع في غيمة وردية اللون، لا بل تصل إلى هدف، هذا لو احترمنا معايير تطبيقها بواقعية ووضوح.

يوم الخميس الفائت في العاشر من آذار أطلق منتدى الخدمة المدنية للسلام بالشراكة الاستراتيجّية مع شركة خطوات الجزء الثاني الذي طوّره الفريق بعد قراءة نقدية للجزء الأول، حيثُ تمت مقابلة كلّ من جرّب الجزء الأول من الدليل. وكما يقول غاندي: الغاية هي الشجرة، والوسيلة هي البذرة .. إنّ الغاية موجودةٌ في الوسيلة كما أنّ الشجرة موجودةٌ في البذرة. ولأنّنا لا نسعى لتغيير الأشجار، تركيزنا في التغيير على البذور، عالم الطفولة والأمل في التغيير اللاعنفي.

اقرأ أيضا: منظمات المجتمع المدني والشائعات – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى