الرئيسيةتقاريررأي وتحليل

حلب تدخل النفق المظلم .. خارطة الحرب بدل خارطة الحل

سوريا تعود للخلف....السوريون في مرمى المعارك والغارات

يعيش أهالي حلب في مرمى نيران الاشتباكات والغارات الجوية والأسلحة الثقيلة والخفيفة والرعب الذي يحيط بهم من كل مكان. منذ يوم الخميس الماضي والذي شهد اقتحام جبهة النصرة وحلفائها بالأسلحة الثقيلة للمدينة وانسحاب الجيش السوري منها.

سناك سوري – بلال سليطين

وكانت حلب قد خرجت من دائرة العنف عام 2016 بعد اتفاق أدى لخروج الفصائل المسلحة منها وأسفر عن استقرار نسبي لمدة ثماني سنوات. وهو ما أدى لعودة قرابة مليون نازح إليها وإعادة الخدمات والبنى التحتية لأجزاء واسعة من أحيائها ومدنها الصناعية. فيما لم يتمكن مئات آلاف السوريين المعارضين من العودة إليها بسبب غياب الحل السياسي والخوف من الاعتقال.

أهالي حلب الذين كانوا قد استقروا نسبياً في مدينتهم بعد 8 سنوات من ابتعاد العنف عنها خسروا كل شيء في ساعات قليلة. وتبدد الاستقرار مع بدء معارك محدودة على أطرافها نتيجة هجوم شنته جبهة النصرة على المدينة وعادت لآذانهم أصوات الاشتباكات ولذاكرتهم مشاهد القتل والدمار. وماهي إلا ساعات حتى انسحبت الحكومة السورية بشكل مفاجئ وغير متوقع وسيطر عليها مقاتلون من جبهة النصرة بينهم سوريون وعناصر من جنسيات أخرى.

فرضت النصرة حظر تجول في المدينة وأثير الرعب بين الأهالي، (أي مستقبل ينتظرنا؟) هو أكثر سؤال يردده من تحدثهم في حلب. يتساءل المسيحيون عن سلامتهم الشخصية وحرية ممارساتهم الدينية وأماكن عبادتهم وطقوسهم وهل يغلب التطبع الذي تظهر به الجماعات الراديكالية طبعها الحقيقي. يزيل مسلح شجرة ميلاد على اعتبار أنها كفر بالنسبة له فيشتد الخوف أكثر ثم يعيدها عناصر النصرة في اليوم التالي ويصورون إعادتها وتتجول كاميراتهم في الشوارع ضمن مناطق تعرف بأنها مسيحية. وعنوان اللقاءات والمشاهد “الأمور طيبة” لكن هل هذا يكفي لطمأنة الناس في الداخل والخارج حتى على مايوجد خلف الكاميرا في ظل غياب إعلام محايد أصلاً يمكنه نقل صورة مختلفة. فكل الكاميرات التي تقدم لنا صورة ومن يرتدون سترات الصحفيين يتبنون خطاباً مؤيداً للفصائل المسلحة وبروباغندا تجميل المشهد.  وهو مشهد الإعلام في البلاد منذ سنوات طويلة إعلام الأطراف لا إعلام الواقع.

ضبابية الحالة والواقع والمشهد لا تحيط فقط بالمسيحيين بل تشمل السوريين الكرد والأرمن والموالين للحكومة السورية والموظفين الحكوميين. والعسكريين والمدنيين والناشطين والإعلاميين وغيرهم من مئات الآلاف في حلب ممن يفتقدون حتى لممر آمن للخروج من المحافظة التي دخلت واقعاً معقداً.

بالمقابل ناشطون ومغردون معارضون سوريون يقيمون في أوروبا وتركيا يقدمون تطمينات للناس بأن لا شيء سيحدث وأن حياة جيدة تنتظرهم وأمناً وأماناً وواقعاً معيشياً أفضل. ويضربون مثلاً للناس في حلب الحياة بمحافظة إدلب كمثال تتوفر فيه الخدمات والاستقرار والحرية والثورية. يرد عليهم ناشطون ومغردون آخرون لماذا لم تعودوا للعيش في إدلب بما أنكم تجدون فيها كل هذه الميزات. وتغرد ناشطة سورية متسائلة ماذا لو قرأت حكومة ألمانيا مثلاً هذه التغريدات وقررت ترحيلهم إلى إدلب وحلب هل ستبقى هذه أراؤهم.

تتزامن كل هذه المجريات والأحداث والأسئلة والبروباغندا المتبادلة مع ارتفاع منسوب خطاب الكراهية بشكل غير مسبوق منذ العام 2018. شتائم وتخوين وتحريض باتجاهات مختلفة من خلفيات سياسية ودينية ومناطقية أيضاً. وتستخدم عبارات وتحشد غرائز الناس بشكل لم يعرفه السوريون في السنوات الأخيرة التي شهدت تراجعاً في خطاب الكراهية وتصاعداً في خطاب القبول والحل السياسي رغم عدم حدوث أي تقدم فعلي بملف التسوية الذي شهد استعصاءً مستمراً.

أجواء حلب وحماة وإدلب مزدحمة بالطائرات

إلى جانب المعارك الطاحنة التي تدور على الأرض فإن الطائرات تعود للأجواء السورية بشكل غير مسبوق منذ عام 2016. غارات جوية يشنها الطيران الحربي السوري والروسي على حلب وإدلب مسيرات تطلقها جبهة النصرة وحلفائها على حماة واللاذقية. ما يثير الرعب والخوف في صفوف الأهالي بمختلف المحافظات والذين يعانون أصلاً واقعاً معيشياً متدهوراً.

تدعو ناشطة من حلب قررت أن تبقى في بيتها وألا تغادره لإيقاف القصف الجوي على مدينتها ودعت لإطلاق حملات مناصرة لعدم قصف حلب. هذه الناشطة قبل أيام كانت تعيش في منزلها باستقرار نسبي وأمان شخصي لم تكن تخشى كل لحظة على حياتها وحياة عائلتها وجيرانها.

يشعر المدنيون في حلب أنهم معرضون للموت بأي لحظة فالمسلحون منتشرون في مختلف المناطق بين المدنيين داخل المدينة وصواريخ الغارات الجوية لا تميز بين مقاتل أو مدني عندما تسقط على الأرض. تتساءل الناشطة لماذا لا يتوقف القصف ولماذا لا يخرج المسلحون إلى محيط حلب بدل البقاء وسط السكان. سؤال لا يمكن لأحد الإجابة عنه اليوم وربما غداً أيضاً.

ينسحب الخوف على إدلب التي تشهد غارات عنيفة مع تصاعد الغارات الجوية على المحافظة بعد إطلاق النصرة معركة ردع العدوان.

أما في حماة وريف اللاذقية فتشكل الطائرات المسيرة “شاهين” التي تطلقها النصرة مصدر خوف وقلق للأهالي وهي تحلق فوق منازلهم.

يتقاطع حديث سيدتين من ريف حماة وإدلب مع سناك سوري في زاوية البحث عن الاستقرار ورفض التصعيد الذي تسببت به الهجمات التي شنتها جبهة النصرة وردة الفعل التي أنتجتها. وتقول السيدة من ريف حماة إنها عادت لبلدتها في صيف 2021 ورممت منزلها وزرعت أرضها من جديد قبل أن تضطر اليوم للنزوح نتيجة الهجوم على ريف حماة ولا تعرف متى يمكنها العودة وإن كان منزلها ومزروعاتها سينجيان من هذا التصعيد.

بينما تقول السيدة من إدلب إن المدينة كانت تعيش استقراراً نسبياً وأن ابنها من مواليد 2005 كان قد بدأ العمل بوظيفة يومية قبل حوالي سنتين ويعود كل يوم إلى المنزل. لكن بعد التصعيد الأخير حمل سلاحاً وذهب مع أصدقائه قبل 3 أيام ولم يعد إلى الآن ولم يتصل بها. وقالت إنها تفضل بالتأكيد أن يكون بقي بجانبها ويعود إلى المنزل كل يوم على أن يكون جزءاً من القتال الدائر حالياً وأنه قد لايعود أبداً.

سوريا تعود 10 سنوات للخلف.. خارطة الحرب بدل خارطة الحل

هذا الواقع في سوريا أعاد السوريين إلى مشاهد المعارك والقتال والعنف التي كانت تشهدها البلاد بين عامي 2011 و 2016. وقد أعاد معه خطاب الكراهية والعنف والإقصاء والتكفير والتخوين مع اختلاف بسيط في المشهد متمثلاً بالمواقف العربية بشكل أساسي والتي أدان معظمها هجوم النصرة ودعم الحكومة السورية ووحدة سوريا واستقرارها.

لكن هذه العودة للعنف وإن كانت أفرحت البعض ممن وجدوا فيها ارضاءاً لاحتياجاتهم تارةً وغرائزهم تارةً أخرى إلا أنها بددت أحلام ملايين السوريين بالوصول لحل سياسي يخرج البلاد من دائرة العنف. فقد كان السوريون بغالبيتهم ينتظرون خارطة للحل السياسي تأخرت كثيراً ولم تجد من يكتبها ويحملها ويستغل قرابة 4 سنوات من غياب المعارك في البلاد وجاهزية غالبية السوريين للجلوس على طاولة واحدة. خارطة تأخرت كثيراً ومازال السوريون كل يوم يدفعون ثمن تأخيرها وثمن عدم اعتراف السلطات في البلاد بالواقع المعقد والأزمة العميقة الي تعيشها البلاد والمبادرة بشجاعة ومنطق للعمل على حلها من مبدأ كل السوريين خاسرين من الحرب وكل السوريين رابحين بايقافها إلى الأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى