حركة 10 آب في سوريا… والانفجار القادم
الحراك في سوريا.. الانفجار وثورة الجياع والخوف
مازال كثيرون في سوريا يعولون على فكرة حراك منظم لإحداث تغيير في البلاد. وقد خابت أحلامهم يوم الخميس عندما فشلت حركة 10 آب في سوريا بتنفيذ أي حراك جماعي.
سناك سوري – بلال سليطين
ولمن لايعرف فإن حركة 10 آب عبارة عن مبادرة فيسبوكية مجهولة المصدر كانت تدعو لحراك مطلبي في البلاد يوم الخميس الفائت. وقد وضعت جملة مطالب عالية السقف لناحية إمكانية التحقق مثل تأمين كهرباء 20 ساعة يومياً.
كما أنها تميزت شكلياً بالابتعاد عن السياسة والإنقسام السياسي الذي فرضته الحرب ومحاولة تقديم خطاب عابر للجغرافيا. واستهداف الشباب بشكل رئيسي ليكون نواة حراك. وإن كانت صوبت فقط باتحاه السلطة في دمشق دون الاقتراب من القوى الأخرى المسيطرة في البلاد.
عملياً في 10 آب عملت الحركة على نشر بعض الصور والفيديوهات التي قالت إنها التقطت في مناطق محددة من سوريا. وفيها أشخاص يرمون منشورات في الشوارع أو يقرؤونها.
وانتهى الموضوع عند هذه الحدود التي لا تصنع حراكاً مجتمعياً قادراً على التغيير. وإن كان القائمون على حركة 10 آب في سوريا قد أعلنوا أنه لن يكون هناك تجمعات وساعة للتحرك.
لماذا لا تنجح الحركات المنظمة في سوريا؟
نظرياً وعملياً من الصعب أن تنجح التحركات المنظمة في سوريا أياً كانت أهدافها سياسية مجتمعية اقتصادية..إلخ. فالتجارب السابقة تشير إلى ذلك بوضوح في مناسبات عديدة ليس فقط من 2011 بل من قبل ذلك بكثير.
على صعيد المجتمع يتوجس الناس من المجهول. خصوصاً بعد 2011، ولا يفضلون التعامل مع أي أنشطة لايعرفون من يقف خلفها أو يدعو لها. والحراك المعروف المصدر يسهل أيضاً القضاء عليه سواء من قبل الأجهزة المعنية أو من قبل المختلفين معه من خلال مثلاً تشويه سمعة القائمين عليه. التخويف منهم …إلخ. وبالتالي فإن الحراك الذي نعرف من يقوده ولا نعرف من يقوده مصيرهما متشابهان في سوريا.
يضاف إلى ذلك أن حالة الخوف من المصير المجهول مابعد الحراك تدفع الناس للتوجس كثيراً قبل أي انخراط. وغالباً بعد التوجس يأتي قرار الانكفاء والاكتفاء بالمشاهدة. فما حدث بعد 2011 من عنف وخطف وقتل واعتقال وتهجير وتفجير وقصف يستحضر لدى الناس قرارات سلبية تجاه التحركات خوفاً من نتائجها.
ربما يقول البعض أن الزمن تغير على هذه النظريات فنحن بعصر السوشيل ميديا ويمكن للحراك الفيسبوكي أن يفعل الكثير. وهذا صحيح لكنه يبقى على صفحات الفيسبوك وينتهي مفعوله بلايك وتعليق. والناس تكتب على فيسبوكها الشخصي ما تحتاجه وسقف المنشورات الفردية التي نراها وحتى الفيديوهات التي تبث في سوريا أعلى بكثير من سقف حركة 10 آب. وبالتالي نظرية التفريغ والتعبير عن طريق فيسبوك مطبقة فعلياً في البلاد نتيجة تقدم أهمية لقمة العيش على الخوف من التعبير.
لكن هل هذا يعني أن المجتمعات ميتة؟
الجواب بالتأكيد لا، لكن تعقيدات الملف السوري وتجربة مابعد 2011 وحالة الانقسام الجغرافي في البلاد والخوف والقلق من الآخر كلها عوامل تجعل المجتمعات حذرة تجاه أي حراك. خصوصاً إذا ماوضعت الأسئلة الكبرى على الطاولة وفي مقدمتها ماذا بعد؟. كيف تعالج الملفات المعيشية؟ من يُحسن الاقتصاد؟ ماذا لو تكرر العنف الذي تعبنا منه؟…إلخ.
لكن هذا لايشمل كثيراً جيل الشباب الذي لديه بكل تأكيد محاذير أقل ومخاوف أقل وإحباط أكبر يدفعه للتفاعل مع نظريات التغيير والرغبة به. فهو يقارب الأمور بطريقة مختلفة ونظريات الوطن والدولة والمصلحة لها تفسيرات مختلفة لديه لا تشبه تلك التي عرفتها أجيال التسعينات وماقبل. وهذا لا يعني أنه جيل غير منتمي كما يريد البعض أن يقول بل جيل لديه رؤى مختلفة.
إلا أن هذا لا يجعل من الجيل الشبابي المتحمس قادراً على صناعة حراك فقدرات السيطرة عليه اذا كان منظماً ومحدداً كبيرة. وإذا كان مجهولاً أو فيسبوكياً لا يمكنه صناعة التغيير الذي ينشده.
الانفجار قادم لامحالة
لايمكن لحالة السكون أن تستمر إلى الأبد والتعويل على الوقت في حل المشكلات لا ينجح دائماً ومخاطره كبيرة. وإن كان الخوف من المصير المجهول يقلل التفاعل مع أي حراك. فإن الخوف من الحاضر والمستقبل الأسود أيضاً يدفع للحراك وربما للانفجار.
والانفجار في سوريا في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الحالية وزيادة الأعباء على الناس يجعله قادماً لا محالة في أي لحظة. لكنه من الاستحالة أن يكون منظماً ما يجعل خيار الانفجار العفوي هو الأقرب للواقع والخصوصية السورية.
كثيرون منا مثلاً يذكرون حادثة الحريقة عندما تظاهر المئات من التجار في شهر شباط من عام 2011 بعد مشادة بين شرطي وابن تاجر. وتدخل حينها وزير الداخلية السوري سعيد سمور لاستيعاب الموقف وتهدئة الوضع في العاصمة السورية.
برأيي أن حادثة عفوية مثل هذه وحدها فقط ما يمكنه إحداث انفجار مجتمعي في سوريا. وهذا أمر وارد الحدوث في أي لحظة نظراً للوضع الراهن. يمكن أن تكون اللحظة بعد 5 دقائق وممكن بعد سنوات وفي ظل وجود أي سلطة. حادثة عفوية تولد انفجاراً كبير.
ربما تكون تدافع على فرن وربما تكون خلافاً مع كازية على مخصصات المحروقات …إلخ من قصص ليس للسياسة والانقسام السياسي فيها دخل.
ومثل هكذا انفجار ربما يكون عابراً للجغرافيا في سوريا فالمناطق كلها تشبه بعضها لناحية الاحتقان المجتمعي والمعيشي وحتى السياسي. وتجربة الزلزال تثبت أن السوريين في مختلف الجغرافيا التي وُضِعت فيها متاريس تفصل بينهم تمكنوا من إيجاد طرق للتواصل والتعاطف والتعاضد والبقاء متصلين بشكل أو بآخر.
وهذا الإنفجار أيضاً لا يمكن التنبؤ بمصيره ومستقبله فربما يؤدي لدوامة عنف كبرى وربما يؤدي لتغيير إيجابي وحل مختلف الملفات. وربما يوحد البلاد وربما يقسمها…إلخ من سيناريوهات مستحيلة الجزم.
من جانب آخر من الممكن أن يكون هناك تفجير للوضع وهنا يأتي دور السلطة في قطع حالة السكون هذه واتخاذ المبادرة بإجراء خطوات كبرى على صعيد حل كل المشكلات في البلاد وليس المشكلة المعيشية فقط.
حيث يمكن للسلطة وحدها أن تمنع الانفجار عبر سلسلة إجراءات تخفف الاحتقان وتلبي للناس مطالبهم واحتياجاتهم وتنهي حالة الاستعصاء في البلاد. وتبدأ مرحلة جديدة. ويمكنها أيضاً اتخاذ خيارات تفجيرية أخرى ليست كلها إيجابية بالمناسبة.
أما ماهو غير ذلك فإن الخيارات الأخرى بمعظمها تبدو حالمة، سواء تلك التي تعتقد أن بإمكانها الاستمرار بالوضع الراهن أو تلك التي تعتقد أن بإمكانها تغييره سواء بالقوة أو السلمية المنظمة التي تأتي بهم إلى السلطة بدلاً عن القائمين فيها.