انتشرت بالآونة الأخيرة، صورٌ لعدد من دور السينما السورية في “دمشق” بعد أن تم استخدامها لأغراض أخرى بعيدة عن الهدف الذي صممت لأجله، فما بين صالة مفروشات كما حدث لسينما “الأهرام”، أو مكان لركن سيارة أحدهم كما صالة “الفردوس”، ضاعت الهوية وتحرك الحنين.
سناك سوري – ناديا المير محمود
من عاصر الأيام الذهبية للسينما السورية، سيعود بذهنه بابتسامة حزينة لماضٍ جميل قضاه في رحابها، ليجمع جيل السبعينات والثمانينات على مراهقتهم التي تمحورت حول “طق البوس” و”طق السيف” كعبارات استخدمها البعض في تصنيف نوع الفيلم بين رومانسي وأكشن.
واتفقت نساء تلك المرحلة على عشق الراحل “عبد الحليم حافظ” و”رشدي أباظة” مثلاً، فيما كانت أعين الرجال تتطلّع إلى “هند رستم” و”مريم فخر الدين”، إذ كان نجوم السينما نماذج الجمال لدى أبناء ذاك الجيل، وبالمجمل كانت النافذة التي كشفت العوالم الأخرى التي يجهلها السوري ومكان تسليته المفضل والأحب لقلبه، والمحفوظ في ألبومات صور الآباء والأجداد فقط.
اقرأ أيضاً:بينهم إغراء.. ممثلون وممثلات سوريات دخلوا عالم الكتابة الدرامية والإخراج
بات من الواضح صعوبة أن تعود حميمية ذاك المكان الدافئ الواسع ذو الشاشة الكبيرة، بمافيه من خليط مشاعر يتوحد المتواجدون بها، من فرح يتبعه تصفيق أوالبكاء تأثراً، فالتقدم التكنولوجي يقف في منتصف الطريق ملوحاً بيده معلناً وجوده وقدرته على إثبات نفسه في هذا الوقت.
وعلى الرغم من أهمية الاقتصاد في حياة الدول إلا أنه ليس بمبرر كافٍ يلغي الدور الذي لعبته السينما منذ نشأتها في تعريف المتابع بالواقع من خلال الصوت والصورة، فالمدرك للفكرة يعلم أننا لسنا بحاجة المزيد من صالات المفروشات والصالات الرياضية والتجارية أو غيرها.
فالسينما هي من نجحت في نشر الثقافات بلغة سهلة الوصول للمحيط، وعرض كل الأحداث سواء السياسي منها والاجتماعي بأسلوب سلس ليبقى الجميع على اطلاع مباشر، ما يزيد قائمة الخسائر المترتبة على مساوئ استمرار سياسية الإغلاق بحقها.
وفي محاولة الكشف بشكل مبسط عن مسببات إبعاد تلك الشاشات الكبيرة، فقد أجمع البعض من صناعها في “سوريا” أن السبب وراءها يعود لقلة دور العرض وتدني روادها، وليكون دافع القائمين على تلك الصالات في إغلاقها هو عدم الإقبال، إذ لا جمهور للسينما رغم وجود دماءٍ جديدة في صناعتها ومحاولات لخلق أفكار جديدة، ورأس مالٍ سيظهر حين ضمان النجاح على غرار ما حدث مع الدراما التلفزيونية.
وفي ذات الوقت، وبعيداً عن أي تقييم سواء لأدائها أو سياسة القائمين عليها، فإن الأهم هو الحديث بشكل وجداني كمواطن سوري أحبّ أن تحافظ بلاده على معالمها الثقافية في ظل الانهيارات الكبيرة الحاصلة، باعتبارها من الجوانب التي تأثرت بالأزمة الأخيرة التي ضربت البلاد.
اقرأ أيضاً:نجمة السينما السورية إغراء تعود بعد غياب 22 عاماً
يقال أن حالات الإغلاق التي أصابت دور السينما بالمجمل أن الزمن تغيّر ولم يعد للسينما روّادها، علماً أنها لا تزال حيّة في دول العالم، فلم تعد ذات مردودٍ جيد لأصحابها الذين بحثوا عن سبل أفضل لاستثمارها، فيما بات الناس يتابعون الأفلام من منازلهم عبر منصات الانترنت دون عناء الذهاب لدور السينما.
وفي الوقت ذاته فإن قلة العروض السينمائية السورية، وغياب دعمها من وزارة الثقافة التي يجب أن تكون موكّلة بالمهمة، ساهم في انحدار مستواها، رغم أن للسينما السورية تاريخ يعود للستينيات، لكن تراجع الدعم المالي الحكومي لها وغياب الإنتاج الخاص عنها بدعوى أنها مغامرة غير محسوبة ساهما في تراجعها أكثر، علماً أن السينما تعد وسيلة ثقافية وإعلامية لا تقلّ عن التلفزيون الذي نجح بالاستحواذ على كل الدعم والضوء بينما تركت السينما في عتمة الإهمال فأغلقت دورها تباعاً.
وكل ماسبق يبقى تحت بند الأعذار غير المقبولة، فارضاً جملة من التساؤلات، حول طريقة تعامل الجهات المعنية مع مثل هذه الأبنية ومسببات زوالها، فأين هي العروض الواجب تقديمها ليبقى الناس رواد تلك الأماكن، بعيداً عن بعض الأنشطة المقامة كإثبات وجود ضمن مرحلة الغيبوبة.
سنوات طوال مرت على وجود السينما في البلاد، يملأ تاريخها الكثير من محاولات الإصلاح والنهوض، وبينما تنال أفلامنا السورية بالمهرجانات العربية والعالمية الكثير من الجوائز، لندخل حدودنا ونراها بحالة فوضى ولم تعطَ حقها الملائم لحجم الإنجاز المحقق، باستثناء المهتمين والمواظبين على إبقائها حية وذات وجود.
ويبقى كل ماسبق، محاولات استحضار ماضٍ مع حدث جديد يحاول محو ملامحه، لا نعلم فيه ما نحتاجه، أهو طعام، أم مفروشات، أم الدفء في الشتاء، أم حل أزمة المواصلات، وننسى إثر ذلك أننا نعاني من أزمة في فننا وثقافتنا، أليس من المفروض أن نتذكر أيضاً أننا بحاجة إلى إغناء ثقافتنا ونشر اسم مثقفينا وبث مالديهم من قدرات، على أمل أن نحصل على توازن في أمر ما؟؟