الرئيسيةسوريا الجميلة

مقهى الروضة في حمص … تاريخ من قلب المدينة يغرق بعتمة التقنين

أكثر من قرن على التأسيس .. مقهى بتصميم إيطالي استضاف محمد عبد الوهاب

في قلب “حمص” يتربع مقهى “الروضة” الذي يعيش عامه الأول بعد المئة حاملاً ذاكرة مثقلة بالروّاد والأحداث فيما تخيّم العتمة على محيطه جرّاء الانقطاع الطويل للكهرباء.

سناك سوري _ حلا منصور

يعمل “نزار عباس” في مقهى “الروضة” منذ 40 عاماً. ويقول في حديثه لـ سناك سوري. « كانت الناس أول ما تفوت عالروضة، تشم ريحة تحميص البن مع شجر الصنوبر.كنا نحمّص شوالات بن وكان كلشي رخيص. اليوم صار حق كيلو القهوة نار».

ويتابع الرجل الخمسينيّ «ما تركت الروضة حتّى خلال الحرب، كنت امرق اتطمن عالشجر واتفرّج عالمكان وروح. هون روحنا وذاكرتنا يلي عايشين عليها».

تاريخ مقهى الروضة

يقعُ مقهى الروضة بقسميه الصيفي والشتوي في مركز مدينة حمص. تحديداً في ”شارع القوتلي” أو ”شارع السرايا“ كما يسمّيه الحماصنة. أُنشئ عام 1922، في أرض كانت بستاناً من أملاك بلدية حمص، وقد جاء ”محمد إبراهيم الأتاسي“ رئيس البلدية آنذاك بمخططاته من إيطاليا، فكانَ الجناح الصيفي ببحيراته المتعددة وأشجاره الكثيفة وأرضه الرملية، أمّا الجناح الشتوي فبُني وفق المخططات الإيطالية كمسرح أو دار أوبرا وسمّي ”تياترو الروضة“.

كان الأدباء والسياسيون والفنانون عبر تاريخ الروضة يرغبون بالاجتماع فيه، لأنّ طبيعته لا توحي بأنّه مقهى رسمي، وإنّما مكان بسيط، أرضه ترابيّة وطاولاته بسيطة وقريبة من بعضها، وأشجاره تتدلّى منها الأضوية، فيجدون في جوّه شيئاً من الطبيعة والإنسانيّة عبد الناصر الأصفري مدير مقهى الروضة

 

يتحدثُ ”عبد الناصر الأصفري“ وهو مدير مقهى الروضة حالياً، عن تاريخ المكان الذي جمعَ السوريين على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم وانتماءاتهم. وكان شاهداً على التغيّرات التي أصابت المدينة والبلاد كلها.

ويُضيف “الأصفري” لـ سناك سوري : «كان الأدباء والسياسيون والفنانون عبر تاريخ الروضة يرغبون بالاجتماع فيه، لأنّ طبيعته لا توحي بأنّه مقهى رسمي، وإنّما مكان بسيط، أرضه ترابيّة وطاولاته بسيطة وقريبة من بعضها، وأشجاره تتدلّى منها الأضوية، فيجدون في جوّه شيئاً من الطبيعة والإنسانيّة».

وأشار “الأصفري” إلى أن طاولات “الروضة” عايشت مختلف النقاشات والحوارات بين نخبة من أدباء وشعراء المدينة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي منهم ”وصفي القرنفلي“ و”عبد السلام عيون السود“ ”عبد الباسط الصوفي“، ”موريس قبق“ و ”أحمد الجندي“ وغيرهم.

وعن خصوصية المكان وحميميته. يوضح “الأصفري” أن موقع المقهى في قلب المدينة وطبيعته الشعبية تمنحه ميزات لا تتوفر في أماكن أخرى. فقد تأتي سيدة تريد التبضّع من السوق فتبدأ جولتها بفنجان قهوة في “الروضة” ثم تغطّي نصف فنجان وتذهب لجلب حاجياتها قبل أن تعود لإكمال فنجانها.

الكهربا هون بتجي نص ساعة وبتنقطع خمس ساعات، طلبنا وحكينا كتير ليحسنوا الوضع بس مافي استجابة عبد الناصر الأصفري مدير مقهى الروضة

 

بالانتقال إلى صالة الروضة الشتوية، التي كانت أشبه بدار أوبرا. و غنّى فيها ”محمد عبد الوهاب“ عام 1930 مع فرقته التي ضمّت ”محمد عبد المطّلب“. يقول مدير المقهى لـ سناك سوري أن ”محمد عبد الوهاب“ كان مطرباً نُخبوياً لا يغنّي إلّا للذواقين. فكانت حفلته في حمص حينها شهادةً للجمهور الحمصي الذي باع بعضهم طناجر النحاس الموجودة في منازل عائلاتهم لحضور الحفل. الذي بلغت ثمن تذكرته آنذاك 100 قرش. ما أظهر أن الجمهور الحمصي يتمتع بذائقة عالية أصيلة.

الروضة بعد الحرب

لم يتغير الطابع الشعبي البسيط للروضة حتى بعد الحرب. حيث أُعيد افتتاحه عام 2016. وبقي محافظاً على أسعاره المقبولة مقارنةً بغيره. وبقي روّاده من نخبة المجتمع الحمصي من محامين وأطباء وصحفيين. إلّا أنّ تاريخه العريق وأهمية موقعه في قلب المدينة لم تمنع حرمانه من الكهرباء.

ما تركت الروضة حتّى خلال الحرب، كنت امرق اتطمن عالشجر واتفرّج عالمكان وروح. هون روحنا وذاكرتنا يلي عايشين عليها نزار عباس يعمل في المقهى منذ 40 عاماً

 

يقول ”الأصفري“ أن المقهى لا يَلقَ اهتماماً واستجابة من أصحاب القرار. حيثُ طالبوا مراراً وتكراراً بتحسين واقع الكهرباء فيه دون جدوى موضحاً: « الكهربا هون بتجي نص ساعة وبتنقطع خمس ساعات، طلبنا وحكينا كتير ليحسنوا الوضع بس مافي استجابة». ولفت إلى أن أحد الخطوط القريبة يحظى بكهرباء لمدة 5 ساعات وحين طالبَ بوضع المقهى على ذلك الخط لم يتلقَّ أي تجاوب.

المقهى الذي يفتح أبوابه منذ الثامنة صباحاً حتى الواحدة بعد منتصف الليل. تحتاج مولدته بحسب “الأصفري” إلى 100 ليتر بنزين يومياً تبلغ تكلفتها 750 ألف ليرة كل يوم. الأمر الذي ينعكس تلقائياً على أسعاره التي ارتفعت أصلاً بحكم غلاء المواد المكونة لها.

لا يزال مقهى “الروضة” بعد مرور 101 سنة على تأسيسه حاضراً في سهرات الحماصنة وفي قلب مدينتهم. ولا يزال لطعم عصير الليمون فيه أو صحن الفتّة نكهة ساحرة لا تشبه أي مكانٍ آخر. تحمل معها عبقاً من المدينة وذاكرة كل من مرّوا من هنا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى