النسوية والكراهية.. الرجال ليسوا أعداء – لينا ديوب
الحكومات تنفق على سرطان الثدي وتتجاهل سرطان البروستات!
فزت بآخر مقعد بالسرفيس في طريقي إلى عمل مسائي، تنحى قليلا الرجل الذي يتوسط المسافة بيني وبين السائق، لم أر. ما تغامزا عليه، لأن السائق سارع الى القول “علينا أن نطالب بحقوقنا منهن”، ساردا له على مسمعي أن سيدة أشارت له. بينما كان ينتظر وسيلة نقل، لتقله بسيارتها الخاصة التي تنقل بها ركاب بأجر في موعدَي ذهابها وعودتها من عملها بعد اشتداد أزمة النقل.
سناك سوري-لينا ديوب
عبارة علينا المطالبة بحقوقنا، أو ماذا عن حقوق الرجل؟ نسمعها في أماكن عمل كثيرة وبين شرائح اجتماعية مختلفة، منها مثلا الورشات. أو الاجتماعات المعنية بتعديل القوانين التمييزية ضد المرأة، وقد سمعنا أكثر منها قبل فترة قصيرة، بعد اعلان الهيئة السورية لشؤون. الأسرة والسكان عن خط هاتف لمركز الحماية من العنف الأسري الذي أعلنت عنه عبر حملة أطلقت عليها اسم “لا تسكتي”.
هناك من اعتبر الحملة ظلم للرجال في هذه الفترة الزمنية الصعبة التي يَشقى الأب والزوج فيها لتأمين لقمة العيش، متغافلين عن حوادث العنف. التي تظهر للإعلام وبكثرة بحق الزوجات والبنات والأطفال أيضا، وكأن تردي المعيشة مبرر لعدم الحماية أو أمرا ثانوياً، ومتغافلين أيضاً عن حداثة عهد النساء والفتيات في الكثير من بيئاتنا المحلية إلى حقلي العلم والعمل.
إن هذا الخروج المتأخر لأن عدم المساواة أمر مترسخ في التقاليد والتاريخ والثقافة، و المواقف الدينية، وما المطالبة بتغيير القوانين والحماية إلا لتحقيق حياة عادلة وأقل تمييزا وعنفا ولا تشكل خطرا على حقوقهم وإنما على المكاسب التي منحهم إياها التنميط بالأدوار الذي لم يكن لصالحهم دائما، وهذا ينكشف عندما يقولون نحن للمهن الخطرة وللحروب وللإنفاق على الأسرة.
ضد النسوية
ثمة تعليقات تقول إن الحركة النسوية سلبت النساء أنوثتهن، وإن ما دعت إليه لم يكن في صالح النساء، وإنما بهدف تفكيك الأسرة، وينبغي أن يعاد الاعتبار. إلى الأم وربة البيت، وأنها تروج لمعارك وهمية بين النساء والرجال، وكأن الحركة النسوية في بلادنا متجذرة وأخذت دورها واستطاعت التأثير على صناع القرار وواضعي السياسات.
لم تزل النسوية في بلادنا تواجه التحديات الهائلة من صنع القرار الأسري، والاحترام من أزواجهن إلى المصادقة القانونية على حقوقهن. الإنسانية الأساسية، إلى المشاركة في الحياة العامة السياسية والاقتصادية، يكفي ذكر نسبة تمثيلهن في الإدارة وفي الحكومة. ومجلس الشعب، وارتفاع أعداد ضحايا ما يسمى “جرائم الشرف”، لتقدير حجم تلك التحديات.
اقرأ أيضاً: قصة شابة تعرضت للتحرش من شقيقها ووالدها – لينا ديوب
مظلومية المرأة
عرض نادي نيسان الثقافي في جرمانا قبل أسبوعين فيلما وثائقيا بعنوان الحبة الحمراء حضّره مجموعة من الناشطين والناشطات والمهتمين بقضايا المرأة والجندر، من إنتاج وإخراج ناشطة نسوية أمريكية حيث يعرض الفيلم رحلتها من النسوية حتى انشقاقها عنها، عرض الفيلم لآراء العديد من مناصري حركة حقوق الرجل في الغرب الذين استشهدوا على صحة آرائهم. بالحديث عن فكرة المركزية الأنثوية المُروج لها، التي تعني تقديم مصلحة النساء على الرجال.
وذكروا مثلا بقضايا الحضانة والنفقة التي غالبا ما يكون الرجل فيها طرفا خاسرا، كما أوردوا مجموعة من الإحصائيات التي تظهر أنّ غالبية. قتلى الحروب، والمساجين، والمشردين، والمنتحرين، هم من الرجال، كما ذكروا أن الإعلام يسلط الضوء على مظالم النساء. ويغفل القضايا التي يكون فيها الرجل ضحية، وأن الحكومات تنفق على سرطان الثدي وتتجاهل سرطان البروستات رغم انتشاره بين الرجال.
الحبة الحمراء
لم تأخذ النقاشات من قبل الحاضرين حيزا كبيرا عن الفيلم نفسه، لأن ثمة إجماع بين الحضور أن النسوية. في بلادنا لم تقطع نفس المراحل التي قطعتها النسوية بالغرب، بل كان الفيلم محركا لمناقشة القضايا التي تناضل النسوية في بلادنا لتحقيقها، ودخول مفهوم النوع الاجتماعي. الى حقل التنمية الذي يطالب بإنصاف الجميع رجالا ونساء، وزادت الدعوات لإشراك الرجال بالتغيير الاجتماعي، مع الإشارة إلى أن البعض انحرف. مع برامج المانحين دون أن تكون تلك البرامج موائمة لواقعنا الحالي.
حتى اليوم تعمل النسوية في بلادنا على تحرير النساء وهذا جزء من الخطاب النهضوي الذي لم ينجز، ربما لم تسلم من الاستقطاب الذي عشناه. لكنها تطالب بتغيير لصالح الأسرة والمجتمع، ونقدها يجب أن يكون بحجج منطقية من الواقع وليس برمي. اتهامات ومقارنتها بالغرب أو المطالبة بمواجهتها بحركة لحقوق الرجل.