الرئيسيةرأي وتحليل

العلم تمرد وإبداع فلماذا حروب الأهالي؟ – أيهم محمود

معظم المبدعين في مجتمعاتنا ليسوا من أولئك الذين حصدوا العلامات التي تقترب من الكمال!

سناك سوري-أيهم محمود

قد تكون الكلمة أصعب من الرصاص، وقد يكون جنون الحروب حاضراً بقوةٍ بين من يستهجنون استخدام السيوف وقطع الرقاب، قد نغتصب علناً آلاف الأحلام لكي نُثبت حقنا في الحرب والعنف والقتال، لا نسمع صوت المحطمين والمفجوعين بانعدام الأمل، لا نريد مجتمعاً سليماً متعاوناً معافى، بل نريد فقط الصراخ بأقصى ما نستطيع من أنانية، ليس في هذه البلاد إلا الرمال والتيه، أشواك القهر تنبت بغزارةٍ في كل مكان.

أكتب هذه الكلمات بغصةٍ في القلب، أستعد لتلقي الشتائم على هذا المقال كمحكومٍ بالإعدام يُسرع بالخطى نحو حبل الخلاص، يوم خُلقت ابتُليت بملايين خيوط العنكبوت تصلني بالأحجار والنباتات والحيوان والإنسان، أي اهتزاز فيها أشعر به، ها هي تتجمع وتتحد وتشد جلدي حتى تكاد تقتلعه، ما إن تنتهي حربٌ في بلادنا حتى تشتعل حروبٌ أخرى.

أما بعد، ليس في هذا الأمر انتصاراتٌ ولا مؤامرات، ليس فيه قنابلٌ أو انفجاراتٌ أوشعارات، لا توجد فيه بيوتٌ مهدمة تدمي القلب والروح والذاكرة، فالحطام هنا في القلوب وفي تبلد الوعي والإحساس، نموت كبشر حين نقف بأحذيتنا فوق بقية الأجساد لنستخدمها كقاعدة انطلاق نحو نجاتنا كأفراد، أرى تلك العيون التي تبحث في هذه السطور وقد أصابها الملل، … ماذا بعد؟.

اقرأ أيضاً: نخب علمية لم تَرُدّ لمجتمعها تضحيته – أيهم محمود

ماذا نقول لأولئك الفقراء الذين لم يحالفهم الحظ في المال ولم يستطيعوا دفع بضع مئات الآلاف أو ربما بضع ملايين منها لشراء بعض العلامات الإضافية في شهادة التعليم الأساسي التي لا تقدم ولا تؤخر ولا تسبر بدقة إمكانات الطلاب، من له ذاكرة سيعرف أن الضحايا هنا ليسوا فقط أطفال الآخرين الذين سخرنا منهم في مواقع التواصل الاجتماعي، بل أطفالنا أيضاً حين يظنون أن الحياة والنجاح حِفظُ نصٍ أو حتى حفظ مسألةٍ رياضية، لذلك لا نرى في بلادنا المنكوبة بهذا الفكر وهذا النهج العقيم جوائز نوبل في الفيزياء والعلوم، نحن نستخدم العلم للفخر والرثاء وكيد الأهل والأعداء بدلاً من مكابدته عناءً وشغفاً لبناء الحضارات، من لا يصدق ما أقول فليصبر قليلاً إن استطاع حتى نهاية المقال.

في السِلم، هذا الفِعلُ، نصفُ إجرام، أما في زمن الحرب والجوع فهو إجرامٌ كامل الأركان، أن تحتفل بنجاح ابنك في منزلك هذا أمرٌ مشروعٌ ربما، لكن أن تستخدم منصات التواصل الاجتماعي للإعلان عن انتصارك الذاتي كوالد أو والدة على بقية أطفال بلدك، فهذا ما أخجل من إطلاق وصفٍ له لكي أترك بيني وبين العباد الهائمة على وجهها شعرة.

بضع آلافٍ يحتفلون في ظاهر الأمر لكن في باطنه وجوهره وواقعه هم يضعون نقطةً سوداء فوق جبين أهالي الآخرين الذين لم يستطيعوا دفع ثمن الدروس الخصوصية أو لم يستطيعوا قهر أولادهم كفايةً في سباق الخيل البشري، حيث يتنافس الأهالي فيه وهم فوق ظهور أولادهم للوصول إلى المراتب الأولى، لا توجد صورةٌ ألطف من هذه لوصف هذه الواقع المؤذي والمخزي، هناك عشرات آلاف الطلاب يعملون في سنٍ مبكرة ولم يستطيعوا إكمال دراستهم لأنهم في حالة جوعٍ حقيقي ونحن لا نهتم لوجودهم على الإطلاق.

المهم فقط بالنسبة لنا أننا صعدنا على منبر الإعلام وتكلمنا صُراخاً نكايةً بالأقرباء والجيران، قلنا لهم والفخر يُعمي قلوبنا وضميرنا ووعينا أن هذا الحصان الذي امتطينا وعيه قد فاز في السباق، هناك مئات آلاف الطلاب الذين سيحصدون مهناً مختلفة يحتاجها المجتمع ولا يستقيم استقراره دون وجودها والسؤال المشروع الآن: أين هي إنجازات أصحاب العلامات العالية قديماً وحديثاً، كم اختراع علمي خرج من بين أيديهم؟ كم مصنع تم بناؤه من إبداعهم؟ ما هي عدد أبحاثهم المنشورة عالمياً وبعضهم يحتل الجامعات ومراكز الأبحاث منذ سنوات طويلة لكن دون أي إنجاز، ما هو عدد الأشياء التي نصنعها مقابل عدد الأشياء التي نستوردها؟، بماذا يفتخر هؤلاء الأهالي حقاً؟ بحفظ العلوم بدلاً من فهمها؟ … يا لعارنا.

يطالب أبٌ ابنه بما لم يستطع هو فعله عندما كان بمثل عمره، ويطالبه أيضاً بما لا يستطيع أن يفعل في حياته الحالية، يريد من ابنه أن يتفوق في مدرسته ويقرأ ليل نهار، أيها الأب السعيد، أيتها الأم السعيدة، لماذا لا تطبقان هذه الأحكام العسكرية على نفسكما أولاً، إن كنتما تدركان أهمية العلم حقاً لماذا توقف معظمكم عن القراءة منذ سنوات طويلة، لماذا لا تنجحون أنتم في حياتكم وتتركون أولادكم لطفولتهم وهواياتهم وأحلامهم، معظمكم فاشلٌ بامتياز لأنه ظن العلم علاماتٍ نحصدها لنقهر بها الأعادي والجيران والأصهار والكنات!، هذا سقف حروبنا وفخرنا بالعلامات، أما أن نعتقد أن العلم جهادٌ دائم من المهد حتى الممات فهذا إثمٌ لا نقدر عليه والحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه.

اقرأ أيضاً: ليسوا أشراراً فالشر يحتاج ذكاء – أيهم محمود

معظم المبدعين في مجتمعاتنا ليسوا من أولئك الذين حصدوا العلامات التي تقترب من الكمال، راجعوا تاريخ العلم والعلماء، العلم تمردٌ وإبداع، والابداع لا يسكن العقول المستسلمة إلى أوهام التفوق المزعوم على الأقران، العلم شغفٌ، رعشةٌ سماويةٌ ساحرة، كل لذات الأرض مجتمعة لا تصل طولاً حتى كاحلها، من أطاع النظام العام لا إبداع فيه، ولا إبداع له، لذلك لا تفرحوا بطاعة أولادكم لكم، وحدها البذور التي تشق الأرض قسراً تستطيع الخروج فوق التراب.

أعود لأذكّر الأمهات بمئات آلاف الطلاب الذين ولدوا بذكاءٍ جيني عادي وهذا قدرهم وليس ذنبهم، أذكر الآباء بعشرات آلاف الأطفال في المهن القاسية عليهم وعلى طفولتهم لأن ظروفهم الاقتصادية لم تسمح لهم بإكمال تعليمهم في زمن الحرب وزمن العار، في زمنٍ فيه أكثر من نصف السوريين تحت خط الفقر المدقع، في زمن الخيام والمهجرين، في زمن أطفالٍ فقدوا منازلهم وفقدوا السقف الذي يقيهم من غضب السماء، هل توقعتم ما هو شعورهم قبل أن تظنوا أن استخدام وسائط الإعلام الرقمي سهلّ ومشروعٌ في كل زمانٍ ومكان وفي كل حال، هل تشعرون مثلي بأن أولادكم -وأنتم معهم- أصبحتم تذكيراً لهم بقهرهم، هل تتخيلون معي ماذا يمكن أن يسكن في صدور هؤلاء؟.

ما هو رأيكم بمن يضع كل يوم على صفحته صور ألذ أنواع الطعام ويقول لبقية الأطفال هذا ما يستحقه طفلي أنا أما أنتم فيكفيكم الخبز اليابس وبقايا الطعام، هذه مثل تلك في هذا الزمن الصعب.

كثيرٌ من الذين حصلوا على علاماتٍ جيدة فقط لا تقترب من حدود الكمال سيكونون قادةً علميين ومبدعين وسيكون أولادكم عاديين غير قادرين على منافستهم، فهؤلاء أذكى من أولادكم بكثير، ستحطمون أطفالكم مستقبلاً وهم يُدركون بالألم هذه الحقيقة المرة، ستحطمون صورتهم عن نفسهم وهم يستفيقون من الأوهام التي غرقوا فيها وغرقتم معهم أنتم أيضاً في مستنقعها، أنتم لا تقتلون أطفال الآخرين فقط بهذا الهيجان السنوي بل تقتلون أولادكم معهم أيضاً، تقتلون أنفسكم حين تبحثون عن انتصارٍ وهمي في أجساد وعقول أولادكم بدل أن تقوموا أنتم ببذل الجهد لابداع شيءٍ ما، كونوا القدوة لأطفالكم في الإنتاج والإبداع يتعلمون منكم حقاً، طوروا مهنكم، اقرأوا كل يوم ولو بضع صفحات في اختصاصكم المهني لكي لا تضطروا لاستخدام أولادكم كأحصنة سباق لتحقيق إنجازٍ وهمي يغطي على عجزكم وفشلكم اليومي المستمر منذ سنوات طويلة.

لو كتبت في هذا المقال آلاف السطور ما وفيتكم حقكم في مقدار الأذى الذي ألحقتموه في تلك الأجساد الغضة التي لا تحتمل بعد عُنف صراعاتكم، وعُنف بحثكم عن نجاحٍ ما في حياتكم التي تنتقلُ من فشلٍ إلى آخر، ربما لم يقل لكم هذا الكلام أحدٌ من قبل، معظمكم لم ينجح في أي أمرٍ مهم طيلة عمره، حاولوا أن تقوموا أنتم بعمل ما لكي يفتخر بكم أولادكم حقاً، ابحثوا عن هوايةٍ ماتت في نفوسكم، حاولوا الإبداع في مهنكم وفي اختصاصكم في هذه الحياة، لا تقولوا لي أن بلاداً لا تصنع إلا القليل من احتياجاتها اليومية فيها كل هذا العدد من العباقرة ومن الاستثناءات العلمية والخامات العقلية النادرة، ولمن أشكوا همي؟ لشعوبٍ تنتصر كل يومٍ عشرات المرات! مع أنها تهوي بسرعةٍ من قاعٍ إلى قاع.

إنما هو زمنٌ مَسخٌ، وتعليمٌ بائسٌ، وانتصاراتٌ علميةٌ تشبهُ الأوهام.

اقرأ أيضاً: متى نجرؤ على القيام بمراجعة حقيقية لثقافتنا – أيهم محمود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى