هل فقدت “تحفة سليمان” الدور الذي أُنشئت من أجله؟
سناك سوري – يوسف شرقاوي
يورِد “النجم الغزّي” في الجزء الثالث من كتابه “الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة” قصةَ بناء التكيّة السليمانيّة في “دمشق” على مثال تكيّة القسطنطينية، فيقول:«حكى (أي السلطان سليمان) أنه رأى النبي (ص) في بستانه في المنام، فأشار إليه بتعمير مسجدٍ جامعٍ به، وأراه مكاناً فلمّا استيقظ من منامه اقتطع جانباً من سراياه في البستان المذكور وعمّره مسجداً عظيماً، وأمرَ بتعمير التكيّة السليمانيّة في “دمشق” في موضع القصر الأبلق بالوادي الأخضر، وعمّر عليها مسجداً جامعاً ومدرسةً عظيمة شَرَطَها للمفتي بدمشق».
كانت التكيّة قبل ذلك قصراً يُدعى “الأبلق” للظاهر بيبرس، هُدِمَ في زمن “تيمورلنك”، إلى أن شُيِّدَت باسم السلطان “سليمان القانوني”، وقد أمر الأخير ببنائها نحو عام ١٥٥٤، ولفظة “تكيّة” تعني في اللغة التركية المطعم العمومي للفقراء والدراويش يأكلون فيه وقد يبيتون، أما الهدف الثاني وراء بنائها فكان لإيجاد مكان فسيح يستقرّ فيه الحجّاج من تركيا وآسيا الوسطى وأوروبا في طريقهم للديار المقدّسة، وقد صمّمها المعماري الشهير “معمار سنان” من قسمَين يمتدّان على مسافة ١١ ألف متر مربع، وهما:
التكية الكبرى، وتحتوي على مسجد ومدرسة، و التكية الصغرى، وتتألف من حرمٍ للصلاة وباحة واسعة تحيط بها أروقة وغرف تغطّيها قباب متعددة، كانت مأوى للغرباء وطلبة العلم.
لعبت التكيّة أكثر من دورٍ عبر التاريخ، بدءاً من عام ١٩١٠ حيث أُنشِئ فيها دار المعلمين، وفي عام ١٩٢٣ حيث أصبحت معهداً للحقوق، واستُخدِم جزءٌ منها لتدريس طب الأسنان عام ١٩٣٤، ثم أصبحت مقراً لمجلة الشرطة، وفي عهد الاحتلال الفرنسي استقرّت فيها قوات الجنرال غورو، أما عن دورها الاجتماعي فقد التجأ إليها الفلسطينيون بعد نكبة ١٩٤٨، بعد ذلك صارت متحفاً حربياً، تم نقله منها فيما بعد. وفي سبعينيات القرن المنصرم تحوّلت إلى سوقٍ للصناعات اليدوية، ما يزال قائماً.
اقرأ أيضاً: “نزار قباني” يستضيف رجال دين ووجهاء دمشقيين لتدارك إشكال “حي الأمين”
هل فقدت التكية دورها الأول كملجأ؟
أكّد “عرفات أوطه باشي” رئيس شعبة المهن التراثية ورئيس لجنة السوق في التكيّة، في حديثٍ لسناك سوري :«أنّ “التكيّة” رغم أنها كانت مُخصصة للإيواء، لكن باختلاف المسؤولين عنها تغيّرت أدوارها”، وتساءل : أين التمويل من أجل ذلك؟”
وقد ذكر أنه كان هناك فيما سبق ستّون ضيعة، وَقْفاً للتكيّة وحدها، لكن بعد أن تسلّمت وزارة الأوقاف ذلك، لم يعد الوقف مخصصاً للتكية، إنما لأكثر من مكان، وبهذا فقدَتِ التكيّة التمويل اللازم الذي كان يأتيها للإطعام والإيواء».
وحول طلب لجنة السوق من الزوّار أن يغادروا، الأمر الذي تكرّر أكثر من مرة – وما يزال – قال “باشي”:« يحدث ذلك في ظروف استثنائية، كأن يتمّ تجاوز حدود الآداب العامّة، فالتكيّة ليست مكاناً للحب والغرام، رغم أننا نتغاضى عن هذا في بعض الأحيان، ولكن حين يتجاوز الأمر حدود الآداب نطلب من الجميع المغادرة كي لا نحرج الشاب والصبيّة»، وأضاف :«يمكننا كلجنة للسوق أن نطلب شرطة السياحة فوراً، لكننا نؤثر عدم إحراج الفتاة كي لا تقع في مشاكل»، ذاكراً عدّة قصص عن الغراميّات التي تحدث في التكيّة، أو استغلال “بيت الماء”.
وعن الظروف الأخرى قال “باشي” :«التكيّة الصغرى تحوي مسجداً له حرمته، في أوقات الصلاة تكون التجمّعات كبيرة وأصوات الزوّار في الباحة تُسمَع إلى الداخل وتؤثّر على المصلين»، مبدياً استغرابه من موضوع النظافة في “التكية” حيث أن معظم زوّار المكان من الجامعيين، وهم ليسوا جاهلين، وتساءل: هل يوسّخون منازلهم؟ عمّال النظافة يأتون خمس مرّات في اليوم، رغم أننا علّقنا سلل مهملات على الأعمدة، مؤكداً مرة جديدة أنّ لجنة السوق ترحّب بالزوّار ما داموا يحترمون المكان ولا يتجاوزون حدود الآداب.
وعن المبادرات التي تمّ تقديمها أفاد:« قُدِّمَت ورشات تدريبية في مختلف المجالات، ونحن نرحب بأيّة مبادرة جديدة وندعمها إذا نسّق أصحابها مع وزارة السياحة»، مشيراً إلى أن لجنة السوق تقوم بالإصلاحات ومنها على صعيد الماء والكهرباء، وأنه تم استثمار فترة الحجر بإصلاح الأروقة، منوهاً بأن هناك اشتراك شهري لأصحاب محال السوق وقدره ٧ آلاف ليرة.
من الجدير بالذكر أنّ التكيّة الكبرى غير مُتاحة للزيارة، إنما الصغرى فقط، كما قامت وزارة السياحة عقب الأزمة بإغلاق عدّة غرف منها.
اقرأ أيضاً: خمّارة بابِ شرقيّ لأبي جورج.. السّاقي وإليه المُشتكى