التقسيم الحقيقي للبلاد … بين سوريانا وسورياهم
نقتصد بالخبز لتزيد صحون كافيارهم .. ونركب الباصات لينعموا بسياراتهم
تزايد الحديث خلال السنوات الأخيرة عن “تقسيم سوريا” رغم أن بيانات القمم الدولية تتهافت لتأكيد أهمية الحفاظ على وحدة “سوريا”.
سناك سوري _ دمشق
ولأن مصدري تلك البيانات لا يعيشون بيننا ولا يأكلون طعامنا ولا يشربون شرابنا،. فقد انحصرت نظرتهم الضيقة على التقسيم بمعناه الجغرافي..وتقسيم النفوذ بين كل مساحة جغرافية وأخرى بحسب الجهة السياسية المسيطرة.
لكن بنظرة أكثر واقعية وانسجاماً مع واقعنا اليومي كسوريين. سيظهر لنا شكل التقسيم الحقيقي الذي لا تظهره الخرائط ولا يتوزع بين شمال غربي وشمال شرقي ووسط وجنوب. ولا بين حكومة ومعارضة وفصائل وتكفيريين وإدارة ذاتية ولا غيره. ولا بين نفوذ تركي هنا وأمريكي هناك وروسي بينهما.
أمر يحتاج ما يشبه الأشعة السينية لإظهار التقسيم الحقيقي للخريطة السورية المجتمعية وليس الجغرافية.، بطريقة تظهر أن “سوريا” واحدة كما كانت ولا تزال، بلاد مقسّمة على ضفتين، “سوريانا” و”سورياهم”.
اقرأ أيضاً:افتتاح فندق من 150 غرفة في حلب… الاستثمار بالرفاهية
بين سوريتين
في “سوريانا” تنقطع الكهرباء لما يقارب 20 ساعة يومياً،. وتزورنا المياه مرة كل 3 أيام إذا كنا محظوظين، .وتمنحنا الحكومة بطاقة ذكية يحكم ذكاؤها أقدارنا بـ 50 ليتر مازوت سنوياً،. و3 أو 4 أسطوانات غاز كل عام إن رضيت علينا.
في “سوريانا” نذهب إلى أعمالنا بسيارات طويلة بيضاء – ليست ليموزين بالطبع- بل هي “السرافيس” التي صممت لتتسع لـ 14 راكباً، لكننا نجعلها تتسع لـ20 وأكثر، أما باصنا الأخضر فقد كسر قوانين الفيزياء والرياضيات وصار يتسع لعدد لا محدود من الركاب.
في “سوريانا” نعدّ أرغفة الخبز جيداً حين نقسمها على أولادنا فتلك “الذكية” حددت لنا المقادير، ونبحث بين صناديق الخضار عن الأرخص مهما كان بائتاً أو سيئاً، ونصرخ بوجوه أبنائنا حين يشتهون قطعة حلوى أو لعبة لنغطي خجلنا من عجزنا عن تلبيتهم، وفشلنا بإقناعهم بفقرنا.موقع سناك سوري.
أما في “سورياهم” فأجهزة التكييف تتوزع بين المنازل والمكاتب والسيارات، السيارات التي تحتاج 20 ليتر بنزين كل 80 كم وأقل أو كل ساعة حسب مشاويرهم في “سورياهم”، وتتدفق ليترات المازوت على خزانات التدفئة المركزية.
في “سورياهم” يأتي الأناناس من “كوستاريكا” و”الكافيار” من “روسيا” و”السوشي” من “اليابان” والويسكي من “اسكتلندا” والجبنة من “فرنسا” والشوكولا من “سويسرا”، فيحتارون “هم” في “سورياهم” ماذا يأكلون.
في “سورياهم” مجمعات سكنية معزولة تضم قصورهم وفيلاتهم بعيداً عن أعيننا وخطواتنا في شوارعـ”هم”، شواطئ ومنتجعات مسوّرة كي لا يختلط رملهم وبحرهم برملـ”نا” وبحر”نا”.
دوماً، وعلى امتداد الخريطة، ومهما كانت هوية الجهة المسيطرة، ثمة سوريتان، “سوريانا” و”سورياهم”، نحن الذين نقتصد بأرغفة الخبز لتزداد صحون الكافيار، نحن الذين نركب الباصات لينعموا ببنزين سياراتهم، نحن الذين ننام بغرف وخيام معتمة لتهدر مكيفاتهم، نحن الذين نحب البلاد وهم الذين يمصّون دمها.