التغيير والإصلاح في سوريا: هل خسرناهم بعد 15 آذار؟
الذكرى الثامنة للـ 15 من آذار
ماذا جنينا في 8 أعوام !! قبل ثماني سنوات انقسم السوريون حول هذا اليوم انقساماً توسع تدريجياً حتى دمر البلاد وشرد العباد، لكنهم اليوم يلتقون مع بعضهم في البكاء والدموع والندب على سوريا التي خسرت التغيير والإصلاح وتحولت إلى مأساة.
سناك سوري – بلال سليطين
قبل 15 آذار 2011 بحوالي 7 أيام تماماً أي في الثامن من الشهر ذاته كانت شاشات التلفزة والميادين والساحات واليافتات وووإلخ ممتلئة بشعارات الأمة العربية الواحدة. لكن بعد هذا التاريخ بـ 11 يوما ًوتحديداً في 26 آذار تبين أن هذه الشعارات خلّبيّة وأننا بحاجة من يوحد السوريين الذين ابتكر بعضهم في ذاك اليوم شعار “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”.
توسع الحراك في سوريا بسرعة كبيرة وقابله حراك مضاد. كل واحد منهم كان يلغي الآخر. هذا يقول إنهم موظفون في الدولة “سيريتل” وذاك يقول إنهم مندسون مخربون لا يتجاوزون العشرات. إلا أن كلا الحراكين لم يتجرأ حينها على الاعتراف بالآخر ووجوده.
تلقفت السلطة في وقت متأخر نسبياً هذا الحراك المعارض لها وتلمست بعضاً من حاجة الناس للتغيير. فتراجعت نسبياً سلطة البعث “حينها” وتقدمت سلطة المسؤولين الحكوميين. التي راح يسقط بعضهم تباعاً استجابة للحراك “محافظ حمص” على سبيل المثال.
ضَغطُ الحراك والظروف المحيطة جَعلت كل الأمور بالنسبة للسلطة قابلة للنقاش على الطاولة حينها “الدستور. قانون الطوارئ. سيطرة حزب البعث على الدولة والمجتمع”.
في الوقت ذاته المطالب راحت تتزايد لدى الحراك وترتفع رافضةّ أي تنازل من السلطة. فقد بات الشعار حينها اسقاط هذه السلطة. خصوصاً مع الدعم الكبير الذي حظي به الحراك عربياً ودولياً. وأغلقت كل مسارات التفاوض حينها والقبول. وانفتح مسار الإلغاء. وعلى مايبدو أُريدَ لهذا الصراع أن يأخذ شكل صراع الحياة أو الموت حتى يكون عنفياً مدمراً.
اقرأ أيضا : في 8 آذار بنيت الدولة باليمين ودمرت بالشمال
“الحراك يريد التغيير والسلطة تريد الإصلاح”. وما بين الإصلاح والتغيير كان العنف ينتشر كالنار في الهشيم في البلاد التي كانت جميلة ويحكى عنها على شاشات التلفزة أنها لوحة فسيفسائية.
في العنف أيضاً لم يعترف أحد بمسؤوليته. كلا الطرفين كان يحمل الآخر المسؤولية. حتى أننا أصبحنا أمام خطاب إنكار في درعا وبانياس وجسر الشغور .. إلخ.
كل الأفعال المدمرة وقتها كانت تجد من يغطيها ويرفع المسؤولية عن مرتكبها. وكل الأفعال التي كانت تقودنا إلى مانحن عليه اليوم لم تكن تجد من يتجرأ على القول إنها خطأ. فليس مسموح لك إلا أن تكون مع ما حدث ويحدث. إذا كنت ضد الحراك تصبح عميلاً مطلوباً. وإذا كنت ضد السلطة تصبح مندس خائن من الحلال اعتقالك. وإذا لم تكن مع أحد منهما فتصبح رمادياً مستهدفاً من الإثنين.
كانت الفرص تضيع علينا تدريجياً. بينما كان أطراف الصراع ينظران إليها على أنها ليست فرص وإنما محطات يتم اللعب فيها بالوقت لبينما يحقق أحدهما نصراً ويلغي الآخر تماماً. فهذا لا يريد موالاة وذاك لايريد معارضة. فكانت المعارضة بشكل خاص ترفض أي حوار مع السلطة واي نقاش معها وتصر فقط على خطاب رحيلها. وهو خطاب حظي بدعم دولي أيضاً. لكن حتى من دعمه كان يدرك أن موازين القوى الدولية لا تسمح بذلك.
اقرأ أيضا : أطفال سوريا قادة المظاهرات وحَملةُ الشعارات في العام السابع للحرية
شيئاً فشيئاً كانت أوراق اللعبة تفلت من أيدينا كسوريين وتتحول إلى أوراق إقليمية ودولية يتلاعبون بها كما يشاؤون. وتحولنا من بلد يفاخر بعدم تسجيل حضور السلاح في حياة مواطنيه. إلى بلد مدجج بالأسلحة والمسلحين الأجانب. مجاهدون. لجان شعبية. قواعد عسكرية أميركية. روسية. إيرانية وتركية … إلخ.
ومع ذلك ظلت الشعارات الرنانة تصدح على الشاشات وفي بعض الميادين التي ظل من الممكن التظاهر فيها بعد انتشار الفصائل والكتائب الإسلامية في مناطق سيطرة المعارضة. إلا أن هذه الشعارات كانت دائماً تخاطب مناطق سيطرة الحكومة وتتجاهل مناطق سيطرة المعارضة التي تراجعت فيها الحريات الفردية وضاعت فيها الحقوق خصوصاً تلك المتعلقة بالمرأة وغير ذلك الكثير. حتى بات بعض الناس هناك يبحثون عن تغيير حالهم مما هو عليه الآن إلى ماكان عليه قبل 2011.
في هذه الأثناء كان السلطة قد مشت في طريق الإصلاح الذي وضعته وأنجزت جزءاً منه. لكنها توقفت عندما شعرت أنه لم يعد ينفع. وراحت تعيد قبضتها الحديدية على السلطة. حتى الدستور الذي أقرته لم تطبقه وظل حزب البعث الحاكم متحكماً بالبلاد وكأن المادة الثامنة مازالت موجودة.
التغيير الوحيد الذي أحدثته المعارضة كان في خطابها بين 2011 و2018 حيث باتت تستخدم اليوم نفس الخطاب الذي تستخدمه الحكومة “المؤامرة” لكن هذه المرة خطاب المؤامرة على “الثورة والثوار” من قبل المجتمع الدولي الذي كان يسمى من قبلهم قبل أعوام أصدقاء سوريا. ومن قبل “تركيا” التي احتضنت أول الهيئات التمثيلية للمعارضة وسميت يوماً أم الثورة السورية ومن قبل السعودية التي تشكلت فيها الهيئة العليا للتفاوض وووإلخ من الدول التي قيل يوماً إنها مع الشعب السوري ولم تكن يوماً إلا مع نفسها ومصالحها سواء هي أو تلك التي تدعم الحكومة وتمننها كل يوم بدعمها لها وأنها السبب في بقائها.
بعد 8 سنوات سوريا اليوم باتت جغرافيات منهكة تعج بالوجود الأجنبي الروسي والأميركي والإيراني والتركي. وكل واحد منهم يريد ترسيخ نفوذه على هذه الجغرافيات. بينما الصراع السوري مازال مستمراً.
اقرأ أيضا : حقوق الإنسان عدو الأنظمة وخصومها في المشرق
في هذا الوقت أيضاً تتقدم الحكومة في الغوطة الشرقية التي كانت يوماً حصناً حصيناً للفصائل والكتائب الإسلامية المعارضة، هذا الحصن ينهار اليوم وغداً قد تبسط الحكومة سيطرتها عليه بالكامل، هذا التقدم يترافق مع خطاب إعلامي حكومي مفاده أن الناس في الغوطة ليسوا مختلفين مع الحكومة السورية نهائياً وهم مؤيدون لها أيضاً، أي أننا أمام حالة من اللا إعتراف بالحقيقة وبأن هؤلاء لم يكن يسيطر عليهم إرهابيون وإنما كان لهم موقف من السلطة وإن كان جلهم لم يكن مع السلاح والمسلحين وفُرض عليهم ذلك لكن بالتأكيد لم يكونوا مع الحكومة.
من الصعب جداً وصف ومراجعة ماحدث بل ومن المؤلم ذلك، لكن من السهل القول إن سوريا خسرت التغيير وخسرت الإصلاح أيضاً، وأملها الوحيد في أن يوحد هذا الواقع أبنائها لإنقاذها والنهوض بها من جديد كما وحدهم الوجع والألم من هذه الحرب.
لكن سوريا التي خسرت الإصلاح والتغيير اكتسبت نسبياً انتشاراً لثقافة المجتمع المدني ومنظماته، ورغبة أكبر لدى الشباب في لعب دور في مجتمعاته، وانخراطاً أكبر للسوريين بالسياسة وشؤون الحكم، وفهماً أكبر للحرية وحاجتها بالنسبة للناس الذين انكسر عندهم حاجز الخوف من السلطة مع بقاء الخوف على البلد، وإيماناً مطلقاً بضرورة مكافحة الفساد ومواجهته علنياً وبقوة، وتعدداً في وسائل الإعلام ومصادر المعلومات، وتشكيكاً بكل مايطرح حتى التحقق منه، بالإضافة لبصيص أمل بالمصالحة.