إن كبر ابنك لا تخاويه جرب أن تُصادقه – ناجي سعيد
هل عدم التدخين أمام الوالد احترام حقاً أم أنه مجرد "نفاق"؟
حين قرّرتُ الكتابة عن موضوع العلاقة بين الأبّ والأبن، بحثتُ على متن “غوغل”، عن مقالات وأبحاث تناولت الموضوع من قبل. وانطلقت من مفتاح الثقافة الشعبية المُتمثّلة بالمثل الشعبي: “إن كِبِر ابنك خاويه”. والنتيجة كانت عدم موافقتي على ما قرأت!.
سناك سوري-ناجي سعيد
كثيرون، ممّن يسمّون أنفسهم: “عالم أو باحث نفسي واجتماعي”، يصرّحون بعدم موافقتهم على مقولة: إن كبر ابنك خاوبه! ويرون من جهة الأب: أن ذلك لا يجوز حيث يفقد الأب سطوته خلال صداقته مع ابنه (ابنه بيركب عا ضهره)، وبهذا المستوى من الوعي، يظهر مفهوم السلطة..الأبوية الذكوريّة.
ومن جهة الأبناء الرافضين للمقولة، فيرون الصداقة المزعومة، هي مجرّد تحايل على مبدأ: الأب بيتمسكن ليتمكّن! وبالتالي يحاول كشف أسرار جيل الأبناء ليقبض على زمام السلطة التي لا تخلو من الشدّة والعنف. وقد برّر ذلك أولئك العلماء بأن التربية السليمة يجب ألا تخلو من الشدّة واللين!.
وأمّا أنا فقبل أن أدرس التربية اللاعنفيّة في جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان وعلى يد مفكّرين تربويين، تعلّمت من أبي (رحمه الله) كيف كان بفطريته التربوية ودون شهادات، بأن أدرك حين بلغَ أخواي سنّ المراهقة، جلس معهما، أحضر علبة دخان، وأعطى كلّ واحدٍ سيجارة وقال: تفضّلوا دخّنوا قدّامي، وكانت هذه الحادثة بابًا لفتح الصراحة والنقاش الدائم مع الوالد، ولم تكن لتمنع أخوتي من التدخين!.
فالدرس الذي تعلّمته هو أن الصداقة التي تُبنى بين الأب وأبنائه، قوامها الصراحة الدائمة، والمشاركة والنقاش حول أي قرار يُتّخذ لصالح العائلة. وهذه العلاقة، ألغت مفهوم السلطة التقليديّة في العائلة. فالسلطة في الأسرة السليمة، لا بدّ من أن تكون تشاركيّة، ولو كانت من طرف واحد أي الأب، تُدعى حينها: تسلّط. التسلّط مشكلة تربويّة تستمدّ قوّتها من فهم مقصور للدين والثقافة الشعبية المتوارثة، وتستبدل الإحترام بين الأب وأبنائه بمفهوم الخوف من الأب! ولست أبالغ فلي أصدقاء كُثُر من المدخّنين، ويعرف والدهم بذلك، ولكنّهم لا يدخّنون بحضرته! أليس هذا كذبًا؟ يقولون: لاااا أن هذا احترام!.
اقرأ أيضاً: الشماتة بالموت .. وتحريم الترحم؟ -ناجي سعيد
وهذا ما أدعوه خطرًا على التربية المبنية على الكذب… أقصد الاحترام! ولو تعمّقت في تحليل العلاقة من منظور تربوي بحت، ولن أدخل بوصايا دينية، فالنقاش في التربية يجب أن نُبعده عن الدين، لأن السلطة الأبوية التي منحها الدين للرجل ترتكز على قاعدة بيولوجية، فيقولون بأن هذا ابنك ومن صلبك وهو الوريث الذي سيحمل اسم العائلة، ونرى ذلك من توارث الأسماء، فعلى سبيل المثال أذكر أحد الجيران لي يحمل اسم: محمود عباس محمود عباس محمود… وهكذا.
ومن لا يعلم بأن الإسلام وهو ثورة مُحمّد كان أساسها لمحاربة عادة الجاهلية وهي: وأد البنات. ثم نصل لعصر التكنولوجيا ولا زلنا نختصر العلاقة بين الأب وابنه بأن يزوجه ليستقبل وريثًا يحمل اسمه. من الصعب إقناع الناس على اختلافهم بأن العلاقة بين الأب والأبن، وإن تكوّنت بأسباب بيولوجيّة، يجب أن تُبنى على أسس تربوية أنسانية.
فصلة الرحم والعامل البيولوجي يجب أن يخلو من العنف، فالعنف يطرح نفسه حلاًّ لمشاكل تنبع من اختلاف الآراء والاهتمامات بين الجيلين، فابتعاد الأب عن الفهم لمرحلة بيولوجيّة يمرّ بها ابنهم يخلق ما يُسمّى “مراهقة”! وهذه ليست سوى مرحلة نموّ فيزيولوجي تبرز حاجات جسدية ينفر منها جيل الآباء وذلك لأنهم لم يتلقّوا تربية جنسية.
فالعادة السرّية تتحوّل إلى مرض خطير إذا ما تعدّت مرحلة المراهقة. وأنا كأبّ أعتبر نفسي أملك وعيًا تربويًّا دفعني لأبادر ابنتي في سنّ البلوغ لأناقشها عن العادة الشهرية، كي لا تُصاب بالذعر، فقالت لي قرأت عن العادة الشهرية موضوع علمي على الأنترنت. فلم أقلق لأني أثق تمامًا بما زرعتُ، فالبيئة الحاضنة تربوية وعلميّة. ويبقى أن أنصح الآباء والأمّهات بألا تطمحوا لتحقيق أحلامكم الفاشلة من خلال أبنائكم، وتذكّروا ما قاله جبران خليل جبران:” أبناؤكم ليسوا لكم، أبناؤكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس ملكم”.