الرئيسيةرأي وتحليل

التربية اللاعنفية – ناجي سعيد

لندع براءة الأطفال تصنع عالمًا نظنّ أنفسنا نحن الكبار بأننا أوصياء عليهم.. لا عنفيّتهم صادقة

سناك سوري- ناجي سعيد

عند الخضوع لأي فحص مخبري، فالنتيجة تكون سلبية ويدلّ هذا على عدم وجود المرض، وإيجابيّة تعني أنّ المفحوص حاملٌ للفايروس. ولأنّي أطمح لأكون إيجابيًا، فقد انزعجت حين عرفتُ بأنّ نتيجة فحص “الكورونا” كانت سلبيّة، ولكن هذا الانزعاج انقلب فرحًا وطمأنينة عندما عرفت أن نتيجة المرض حين تكون سلبيّة تعني بأنك غيرُ حاملٍ للفايروس!
لقد كنت متفوّقًا في طفولتي أيام الدراسة. وهذا أكسبني بدايةً حبّ النتائج الإيجابية والتفوّق. ولم أكن أدرك حينها بأنّ هذا الشعور بالإيجابيّة وحُبّ النجاح هو شعور طفولي غير ناضج بمنظار نظريّة “لا ضرر ولا ضرار” Do NO Harm ضمن مجال تحويل النزاع. والذي يُفضي إلى أنّه من الضروري حين تُخطّط وتعمل للتدخّل في مجال تحويل وحلّ أي نزاع بين مجموعتين، لا بُدّ لك من الانتباه بأنّ لا تُشكّل ضررًا لأي أحد آخر. وهذه النظريّة تتلاقى مع طموحي بأن أكون إيجابي بالكامل.

اقرأ أيضاً: اللاعنف والصفات الواصمة_ ناجي سعيد

مقالات ذات صلة

ولكن لو تعمّقنا بالتربية التي نتلقّاها في صغرنا، فهل تخلو تربيتنا العائلية والمدرسيّة من العنف؟ وهل نضمن في التربية المُعتمدة والمُتوارثة بأن نُنشئ جيلاً لاعنفيًّا؟ ونحن الذين نعتمد الضرب في التربيّة لأطفالنا، ونستغرب: لماذا يضربون أصدقائهم حين يلعبون معهم؟ وننسى بأن لغة العنف نحن من علّمهم ألف بائها. وحين يتكلّم أحد التربويين عن رفضه بالكامل للعنف في تربية الأطفال، يقولون له: أي لازم نضربو لأنه ما بيسمع الكلمة، عنيد طالع لبيّو، شو بعملّو بطلب منّه طلب وما بيسمع كلمتي؟ ضاربين بعرض الحائط الكثير من المفاهيم التي تُعتبر أساسًا لتربية الأطفال.

أوّلاً من قال بأنّك تزوّجت وأنجبت طفلاً ليعمل عندك، وحين يرفض لسببٍ ما، تتّهمه بأنّه قليل التهذيب وسيّء التربية؟ أو لست أنت المربّي له؟ ومن قال بأن الوراثة تطال الطباع؟ الوراثة بحسب النظريّة العلميّة تشمل الصفات الجينية فقط، أي جميع الصفات الشكليّة، فلو كنت ذا شعرٍ أشقر أو بشرتك سمراء، فسيورث طفلك أو طفلتك الصفات ذاتها. لكنّ طباعه تتشكّل في البيئة التي ينمو بكنفها.

اقرأ أيضاً:التربية وبناء السلام _ناجي سعيد

فالتربية اللاعنفيّة هي تكريس واقعي لفلسفة اللاعنف، بعيدًا عن الإيمان باللاعنف كاستراتيجيّات تُستخدم عند اللزوم، اللاعنف فلسفة حياة ونمط يموت خارج بيئة حاضنة كما السمكة تموت خارج الماء. لذا لو وددنا الوصول إلى مجتمع لاعنفي، بأساسات متينة، يجب أن نعتمد تربية تؤسّس لثقافة اللاعنف. ففي العائلة السعيدة، تبقى الفرحة دائمة بقدوم الطفل طوال فترة إعداده ليصبح إنسانًا يواجه الحياة بخبرة يكتسبها من أهله الذين يحترمون وجوده ويخلقون توازنًا عنده بين بيئتي المدرسة والمنزل. فلا يعتقد بأن كلام المُعلّمة أو الأستاذ مُنزلاً، ولا يحمل نفس الاعتقاد عن الأب والأم. المرونة مطلوبة هنا وهي تجعل عقل الطفل منفتح على الكثير من القيم وأوّلها القبول بالخطأ. وهذا القبول بالخطأ يحثّه وبشكل علمي للبحث عن الصواب، دون التمسّك بالاعتقاد الخاطئ على أنّه صواب مطلق. فهذا يُفقده مهارة التفكير النقدي وهي مهارة عقلية تفيده في شتّى مجالات حياته.

وبنصيحة عمليّة للأهل المسؤولين عن وجود الطفل بيولوجيًّا، وللمدرّسين المسؤولين تربويًّا عن وجوده، ليس مُعيبًا أن تمنحوا الطفل حقّ المشاركة بصنع حياته، فبراءة الطفل أقرب إلى اللاعنف وصدقه وبراءته بعيدان عن الانتقام. لكنّه يحتاج آذانًا تصغي له، وقلوبًا وعقولاً تحترم وجوده. فقد قال جبران: ” أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة..” فلندع براءة الأطفال تصنع عالمًا نظنّ أنفسنا نحن الكبار بأننا أوصياء عليهم، مع العلم بأن لا عنفيّتهم صادقة وبريئة ولم تتّسخ بالنظريات الزائفة والمتحذلقة. وأذكر مقولة للدكتور اللاعنفي وليد صليبي: ” أن الصفعة على خدّ الطفل هي تهديد للديمقراطية في العالم”.

اقرأ أيضاً: عقوبة الإعدام حلٌ أم مُشكلة؟_ ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى