الرئيسيةيوميات مواطن

أي نعم.. أنا مواطنة مهزومة وضحية تتقمص دور الجلاد

هذه المادة "للنواح" أحضروا المحارم الورقية إن امتلكتم ثمنها وإلا استخدموا أكمامكم

لم أعتد أن “حط إيدي بعيني وابكي”. لقد راعني تقص دور الضحية للدرجة التي أقنعت بها نفسي أني جلاد بينما كنت ضحية فعلاً. أنا الآن أريد أن أعترف بأني ضحية حقاً. ثم أبكي حتى يسمعني الكون، أنا تلك السورية المهزومة حتى النخاع.

سناك سوري-مواطنة مهزومة

الآن بينما أكتب خارج جدران منزلي بحثاً عن الدفء المجاني الذي تستثمر العائلة والجيران وجوده فيجتعون أمام “صوبية الحطب”. تتذمر والدة زوجي أن زوجها مرّ بسوق الخضرة “ويالله ما عرف يجيب معو كيلتين خضرة”. حماتي سيدة طيبة وبسيطة رغم أنها لم تنجُ من الفقر إلا أنها نجت من “الدفع” كونها تتبع لجيل “ما قبل النسويات”.

يتعاظم شعور الاختناق في داخلي الذي استفاق صباحاً على وقع خبر ارتفاع أسعار باقات الإنترنت. تلك التي تعني لي “خبزاً وطعاماً لطفلتي”، لاعتماد عملي عليها. الأمر ليس بالجديد لمَ إذاً أنا أختنق؟، لمَ أريد البكاء. لمَ أريد أن أشتم “أم ووالد” الحياة والكون “وقدري الجغرافي”.

خلال الشهر الماضي، توفي 5 أشخاص في محيطي الجغرافي الصغير بالجلطات القلبية أكبرهم عمراً لم يتجاوز الـ55 عاماً، وأصغرهم 35 عاماً. لا أريد لقلبي أن يحتج، أتمنى أنه سوف “يقديني” كأي قلب طبيعي. أحاول عبثاً ألا أشغله بأمور لا تعنيه وأفشل. أحملّه كما أحمل جسدي الكثير من الطاقة اللازمة لشحن “الباقات” بهدف شراء الطعام.

لكن هذا الكلام لا يبرّد ناري، بل يزيد من الاحتراق داخل تلك العضلة الكئيبة. هل يعقل أن أقصى طموحي “الطعام”. هل أنا دنيئة النفس لتلك الدرجة. هل الانشغال بتأمين الطعام والحرص عليه “دناوة نفس حقاً”.

مجدداً، يقودني حظي العاثر إلى الكآبة، فعلى سيرة المفاهيم “يلي أكل عليها الزمن وشرب ويمكن شخ”. كان يقال إن “مال الحرام ما بيدوم بعكس مال الحلال”. أتذكر ذلك الشيء البسيط الذي كنت أمتلكه. وكيف قضى عليه الزلزال بلمحة بصر. الشيء الذي دفعت ثمنه من جهدي وعرقي، بمال حلال حتى أنه مدفوع الزكاة، لكنه رحل، هُدم أمامي بينما كان قلبي يُعتصر ليس لقيمته، بل لرمزيته داخلي.

أجل أنا ضحية، وضحية بائسة تحاول تقمص شخصية الجلاد. لا أريد البكاء الآن، لن ينفع. لن يخفف عني، لن أستطيع الانشغال به ثمّ يأتيني مديري بكامل أناقته وهو يخبرني أن كل ما كتبته اليوم “فاشل” لا يعادل بأهميته حجم الجهد الذي بذلته عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى