ألمنا يصير سياسة: وجع الضحايا مسار نحو العدالة لا أداة للصراع
7 جلسات حوارية ومشاركة 133 رجلاً وامرأة بما فيهم الشباب، للتعبير عن آلامهم وآمالهم نحو بناء السلام في سوريا

تحت عنوان ” ألمنا يصير سياسة” أقيمت أمس الثلاثاء، فعالية إطلاق تقرير بحثي من إعداد مجموعة تحالف “جسور الحقيقة” في العاصمة دمشق.
سناك سوري _ هبة الكل
عنوان التقرير أثار تحفظ عدد من الحضور لناحية تحول آلام ذوي الضحايا والمعتقلين والمغيبين قسرياً إلى قضية سياسية أكثر من كونها عدالة انتقالية وتحقيق أمان واستقرار.
وبحسب ما جاء على لسان القائمين على الفعالية، فإن الهدف من حفل الإطلاق، مشاركة المدعوين من نشطاء ومدنيين وحكوميين به، انطلاقاً من كونهم شركاء في مسار العدالة الانتقالية، كما يهدف إلى استطلاع رؤاهم وآرائهم وعرض المنهجية التي اُعتمدت في البحث.
وناقش المتحدثون خلال مداخلاتهم ملف العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا عبر تسليط الضوء على أبرز مخرجات الجلسات الحوارية المكثفة التي نظمها المشروع بين 14 و30 نيسان الجاري، حيث شارك في هذه الجلسات 133 رجلا وامرأة بما فيهم شباب/ ات، بغية تحويل مسار العدالة الانتقالية من الانعزال إلى الوصول والشرعية، بالإضافة إلى الاستفادة مما يقدمه المشاركون من حلول لتطبيق العدالة المطلوبة.
العدالة لا تصنع في المكاتب وإنما تبنى مع كل أم ومنظمة عبد الباسط عبد اللطيف – رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية
وكشفت تلك الجلسات عن حاجة السوريين/ ات إلى آذان تسمع أصواتهم المقموعة سابقا، وعن وجود فجوة عميقة في إدراك المجتمع المحلي لما تكبده من معاناة خلال سنوات الحرب، مع جملة تحديات تتمثل بالاستياء السياسي والطائفي والعرقي والانقسام الحاصل بين مناطق النظام ومناطق المعارضة وبين مؤيدي النظام والمعارضة أيضاً.
تخلل الفعالية عرض الفيلم القصير “بكرا منكفي” الذي عمل عليه مشروع “جسور الحقيقة” والفائز ﺑ 13 جائزة، والذي يقدم رسالة تترجم صوت الضحايا، وقد تم إنتاجه قبل سقوط النظام، وعرض مرة واحدة في سوريا بمنطقة داريا بريف دمشق.
أوصى التقرير بسن قانون شامل للعدالة الانتقالية وتطبيقه، مع إصلاح المؤسسات القضائية والأمنية وتعديل القوانين بما يتماشى والمعايير الدولية، بالإضافة إلى وجود آليات لتقصي الحقيقة وحفظ الذاكرة وجبر الضرر.
وثيقة أخلاقية
رئيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية ” عبد الباسط عبد اللطيف” تحدث خلال مداخلته عن الهيئة وإيمانها في أن الألم يمكن أن يتحول إلى مسار إصلاح وطني بناء، وأنها، أي الهيئة، ليست مجرد مؤسسة وإنما، وعد وطن لضحاياه.
مؤكداً على التزام الهيئة في أن تكون عملية تطبيق العدالة الانتقالية شاملة، شفافة غير انتقامية وفقا للإعلان الدستوري والمرسوم التشريعي رقم 20.
وعندما طرح أحد الحضور استفسارا حول تأخر أعمال الهيئة وعدم لمس أي مخرجات لها على أرض الواقع، أجاب ” عبد اللطيف” بأنهم مستمرون ولم يقفوا ولكن العدالة كما يقول : “لا تصنع في المكاتب وإنما تبنى مع كل أم ومنظمة”.
ودعا المشاركون إلى منح هذه العدالة فرصة من الوقت كي تأخذ مجراها وتولد محققة أهدافها، على أن باب الحوار سيبقى مفتوحاً كي لا يعاد إنتاج الظلم مجدداً.
وقد أشاد بالتقرير وما قدمه، معتبراً أنه وثيقة أخلاقية، إنسانية، سياسية تحمل صوت الضحايا وتطلعات شعب يسعى نحو العدالة والاستقرار.
أكد التقرير على اهمية دور المرأة في العدالة الانتقالية لناحية توثيق العدالة وضحاياها الذي يختلف باختلاف النوع الاجتماعي، كالعنف الجنسي والعنف القائم على الجندر
لمحة عن التقرير
يأتي إصدار التقرير بالتزامن مع الاجتماعات المزمع عقدها لاحقا حول العدالة الانتقالية، حيث نظم مشروع جسور حقيقة 7 جلسات حوارية مجتمعية في دمشق، درعا، النبك، حمص، السلمية، عفرين والأتارب، وذلك بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية ومنظمات المجتمع المدني السوري والتي شملت: بدائل، مركز المجتمع المدني والديمقراطية، دولتي، محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، منظمة اليوم التالي والمعهد السوري للعدالة، بالإضافة إلى الدعم التقني الذي قدمه مركز ضحايا التعذيب.
ضمت كل جلسة حوارية نحو 20 مشاركاً/ ة من خلفيات متنوعة بما فيهم معتقلون، عائلات مفقودين، نازحون، قادة مجتمع مدني، وأطباء وشباب وأفراد من الأقليات الدينية.
اعتمد الاختيار على معايير أربعة، استندت إلى الوصول لمناطق مهمشة، التنوع الديموغرافي والتجربي، سهولة الوصول والأمان النسبي.
يبين التقرير جملة من الأمور الواجب الإسراع في التدخل بها، كالعمل الفوري على معالجة انعدام المحاسبة وتذليل التحديات الأمنية، ومعالجة انعدام الثقة والتشرذم داخل الجماعات السورية وبين المواطنين والدولة من جهة والجهات الفاعلة الدولية من جهة أخرى، وأن تكون آليات العدالة الانتقالية محايدة شاملة تشاركية غير تمييزية ومستقلة غير تابعة للحكومة.
كما يظهر أهمية دور المرأة في العدالة الانتقالية لناحية توثيق العدالة وضحاياها الذي يختلف باختلاف النوع الاجتماعي، كالعنف الجنسي والعنف القائم على الجندر.
التوصيات
يخلص التقرير البحثي إلى جملة من التوصيات على ثلاثة مستويات، لعل أبرزها: على المستوى المحلي، دعم تشكيل لجان عدالة بقيادة الجماعات المحلية وتعزيز إقامة منتديات حوارية منظمة وبرامج تثقيف مدني، وتحسين التشافي المجتمعي.
وعلى الصعيد الوطني فقد أوصى التقرير بسن قانون شامل للعدالة الانتقالية وتطبيقه، مع إصلاح المؤسسات القضائية والأمنية وتعديل القوانين بما يتماشى والمعايير الدولية، بالإضافة إلى وجود آليات لتقصي الحقيقة وحفظ الذاكرة وجبر الضرر، مع حماية المجتمع المدني وتفعيل حيزه دون أي تدخل في شؤونه.
وأخيراً على الصعيد الدولي، دعا التقرير إلى تقديم المساعدة الأخلاقية وإعادة الإعمار بشكل منصف وتعزيز المحاسبة غير الانتقائية التي تنظر في الانتهاكات كلها بما فيها الدولة والمعارضة والجهات الدولية، عبر آليات كالولاية القضائية العالمية والملاحقات القضائية الدولة حال انتفاء الخيارات الوطنية.
يذكر أن مشروع “جسور الحقيقة” هو تحالف من منظمات مجتمع مدني، ينادي بالعدالة الشاملة لضحايا النزاع والقمع في سوريا، يهدف إلى تقديم الدعم للضحايا وإلقاء الضوء على قصصهم غير المروية، انطلاقاً من قاعدة لا سلام حقيقي في سوريا دون الاستعادة الكاملة لحقوق المعتقلين والمغيبين وعائلاتهم.








