لا أريدكما إذهبا إلى الجحيم… “فيتالي” لـ سناك سوري: الغالبية الساحقة من الأحداث يعانون من مشاكل أسرية
سناك سوري – سها كامل
قال لهما والداهما بكل وضوح، «لا نريدكما.. اذهبا إلى الجحيم» كان الجحيم فعلاً بانتظارهما، و لم يبخل عليهما الشارع فعلّمهما السرقة، ليتحول “م.ي” و “ح.ي” إلى “أحداث” في شوارع مدينة اللاذقية، أحداث لايعرفون حتى ما أعمارهم لكننا قدرناها تقديراً بـ “15، و17”.
لم تكن زيارتهما إلى “الاصلاحية” زبارة عابرة، فكلما خرجا منها عادا إليها في وقت قصير أحياناً (أسبوع)، رغم أنهما كل مرة يخرجان منها كانا يظنان أن الحياة بدأت من جديد، لتعود دوامة ظروفهما العائلية لتضيّق عليهما، فلا أب يسمعهما ولا أم تمدهما بالحب والنصحية، كما يقول الطفل “م.ي”.
تزّوج والداهما عن طريق عقد زواج خارج المحكمة في حلب، بعد سنوات من انجاب الطفلين انفصل الوالدان، و مع اشتداد نيران الحرب في العام 2016 غادر الأب إلى اللاذقية ليتزوج مرة آخرى، بينما بقيت الأم في حلب، و رفضت ولديها، و بعد انهيار الأسرة بقي “م.ي” و “ح.ي” في الشارع دون وثائق رسمية تثبت شخصيتهما، فلم يتم تسجيلها في دائرة “النفوس” و لم يدخلا إلى أي مدرسة، و لم يتعلما القراءة أو الكتابة، ولا حتى مهنة أو حرفة، مارسا السرقة، ودخلا دوامة مخافر الشرطة والاصلاحية، التي ماتزال تعصف بهما إلى الآن.
يضيف الطفل “م.ي” لـ”سناك سوري”: «حاولت الابتعاد عن الشارع وعدت منذ يومين إلى والدي، الذي يعمل حالياً في مغسلة سيارات، إلا أنه ضربني لأنني جمعت الأجرة من الزبائن واشتريت ثيابا لنفسي، فهربت مجدداً إلى الشارع».
ربما يكون نموذج هذين الطفلين متواجد بكثرة في مجتمعنا، للأسف فغالباً لا يتم التركيز على مثل هذه النماذج وليس هناك من جهة فاعلة بشكل حقيقي لتقديم يد المساعدة، بل يركز على فعلهما دون النظر لأسباب الفعل.
أطفال بلا شهادات ميلاد
الناشط الاجتماعي والمهتم بقضايا الأحداث رامي فيتالي يقول لموقع “سناك سوري”: «من خلال متابعتي لقضايا عدة أحداث ارتادوا الإصلاحية، وخلال فترة ثلاثة أشهر كنت أزور فيها إصلاحية الأحداث في اللاذقية، تبيّن لي أن معظمهم يعيشون ظروف اجتماعية خاصة، تشمل وفاة أحد الوالدين، أو طلاقهما».
يضيف: «معظم الأطفال الذين تحوّلوا إلى أحداث لم تؤدِ عائلاتهم واجباتها تجاههم، التي تشمل تأمين شهادة ميلاد، وتسجيل في سجلات الأحوال الشخصية، و استخراج بطاقة الهوية للطفل الذي وصل لعمر 14 سنة، وعدم تسجيل الأطفال في المدارس، ومتابعة عملية تعلمهم»، مضيفاً أن جميع الأحداث في اللاذقية من تابع ملفاتهم خلال الأشهر الثلاثة يعانون من مشاكل اجتماعية مثل وفاة أو عجز أو طلاق أحد الوالدين,,إلخ.
الأسرة نواة لبناء الطفل
يؤكد “رامي دياب” اختصاصي علم نفس من جامعة دمشق خلال حديثه مع “سناك سوري” أن «الأسرة تساهم بشكل أساسي في إعداد الأطفال وبناء شخصيتهم، كلما كانت الأسرة أكثر تماسكاً وتفهماً لأبنائها وحاجاتهم ساهم ذلك في تحصينهم».
يضيف: «الدراسات حول جنوح الأحداث، تشير إلى أن العوامل الأسرية، لها دور واضح في جنوح الطفل، و تزداد عند العائلات ذات المستوى الاقتصادي المنخفض، و الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطفل، التي تدفع بذويهم إلى التخلّي عنهم وتسليمهم للشارع، لتصبح “السرقة” حرفة لهم فتراهم هائمين على وجوههم يجولون الشوارع بحثاً عن بقايا طعام أو لربما عن نقود لا يهم من أين يحصلون عليها».
انفصال الوالدين يدفع الطفل إلى الانحراف
تشكل العوامل الأسرية السلبية دافعاً كبيراً لدى الطفل للإنحراف، يوضح “دياب” الأمر قائلاً: «البيت المتداعي اجتماعياً، من أهم العوامل التي تهيئ الطفل إلى الانحراف، فعندما ينخفض الوفاق بين الوالدين وتتأزم الخلاقات بينهما إلى درجة الهجر أو الانفصال، ينمو شعور لدى الطفل بعدم اهتمام والديه به، ويشعر بأنه وحيد، فيلجأ إلى ملاذ آخر غير العائلة وغالباً ما يكون غير سليم ويودي به إلى الانحراف».
“الانهيار الأسري” يحدث غالباً بحسب “دياب”، في حالة تعدد الزوجات أو الغياب المستمر لأحد الوالدين، يؤدي لانهيار الأدوار الاجتماعية المرتبطة بالأسرة، حيث تزداد مشكلات الطفل التي لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بشكل صحيح، فيشعر الطفل أن والديه منشغلان عنه وينتابه احساس بالضياع وعدم الاستقرار ويبحث عن مكان آخر خارج المنزل لاشباع رغباته وتحقيق ميوله.
اقرأ أيضاً: في “طرطوس” 3 متسولين فقط طابقوا مواصفات التسول
هؤلاء الأطفال من دون تعليم.. كيف تطبق إلزامية التعليم إذاً؟
يقول المحامي كمال سلمان لموقع “سناك سوري” إن «القانون سعى لتطبيق “إلزامية التعليم” حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي، تنفيذاً للقانون رقم 32 تاريخ 7/4/2002».
و جاء في المادة رقم 2 من قانون الزامية التعليم الأساسي رقم7 الذي صدر في العام 2012 أنه «يلزم جميع أولياء الأطفال السوريين (ذكوراً وإناثاً) الذين تتراوح أعمار أطفالهم ما بين 6 – 15 سنة بإلحاق أطفالهم بمدارس التعليم الأساسي».
وأقرت المادة رقم 6 من القانون ذاته، بحسب المحامي “كمال سلمان”، تشكيل لجنة تؤلف في كل محافظة مهمتها توجيه إنذار لكل ولي تلميذ انقطع عن المدرسة من دون عذر مدة 15 يوماً.
وتقترح اللجنة، أيضاً إحالة قضايا المواطنين الممتنعين عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، والذين يجب تحريك الدعوى العامة بحقهم إلى الوزارة بعد إنذارهم من قبل اللجنة بـ 10 أيام.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، إن كانت اللجنة تقوم بهذا الدور، لماذا نرى أطفالاً تحت عمر الـ14 عاماً في الشوارع خلال أوقات دوام المدارس؟.
يختم “سلمان”: «لابد من تفعيل بنود القانون الناظم لجهة العقوبات الجزائية، القاضية بالحبس وتشديدها، مع ضرورة نشر الوعي لدى العائلات بأهمية التعليم وعواقب التسرّب وفهم القانون المذكور، والإلمام بالعقوبات الرادعة، التأكيد على دور المجتمع المدني والإعلام في تخفيف هذه الظاهرة وصولاً إلى الانتهاء منها».
اقرأ أيضاً: الأطفال يتسربون من المدرسة للعمل.. أكثر من 20 ألف متسرب في “حلب” وحدها
قد ينظر البعض إلى هؤلاء الأطفال على أنهم مجرمين، وهناك من يدعو لإنزال أشد العقوبات بهم، لكن بالعودة إلى مسببات الأفعال التي يقومون بها نجد أنهم ضحايا، نعم ضحايا الأسرة والمجتمع، ضحايا غياب الرعاية الأسرية، وغياب الرعاية الاجتماعية، والابتعاد عن المدرسة، ضحايا ظروف لا ناقة لهم بها ولا جمل، فكيف نحاسب الضحية ونترك من جعلهم ضحايا…. جميعنا تركناهم المؤسسات العامة والخاصة، المجتمع المدني والمجتمع الأهلي.. أباؤهم وأمهاتهم….. نظرة المجتمع لهم وغير ذلك الكثير من المتهمين بالمسؤولية عن كل فعل سيء يرتكبه هؤلاء الأحداث الضحايا.
لكن ماهو دور الإصلاحية!، هل تقوم بدورها فعلاً مع هؤلاء الأطفال، مالذي يمكنها فعله معهم؟! هل تقف إلى جانبهم فعلاً!؟… هذا ما سننناقشه في الملف القادم.
اقرأ أيضاً: نصائح في تربية الأطفال- جمال مرهج