إقرأ أيضاالرئيسيةحرية التعتير

ماذا لو أن “ألمانيا” تستضيف قطعة من “الغوطة الشرقية”؟

أشفق على الألمان.. فهم لا يعلمون شيئاً عن تكريزة رمضان

سناك سوري-بدر بستاني

خارج نافذتي الممتدة بشكل محدود جلس أطفالي وأمهم يستمتعون بقليل الشمس التي أشرقت منذ قليل، وأنا أكتفي بمراقبتهم عن بعد متحسراً على أيامي الدمشقية، أيام عمري تلك التي انقضت اليوم دون أن أدري إن كانت ستعود يوماً، ونعود إلى حينا وحياتنا هناك في أرض السعادة.. “دمشق”.

هي الأيام الأخيرة من شهر “شعبان”، هنا في “ألمانيا” لا يعرفون شهر “شعبان”، كذلك لا يعلمون الكثير عن شهر “رمضان” سوى أن جيرانهم الوافدين الجدد يمتلكون بعض الطقوس التي يحيونها على خجل في بلادهم الجديدة.

اقرأ أيضاً : بالفيديو: ألماني يعتدي على لاجئ سوري ويطلق كلبين شرسين باتجاهه

الذاكرة الحمقاء المثقلة بالحنين تأخذني إلى أيام شعبان الأخيرة في “دمشق”، حين نجتمع كعائلة واحدة تعدادها يفوق الـ30 شخص أحياناً، أنا وزوجتي وأطفالي شقيقاتي وأشقائي وأزواجهن وأطفالهم، أبي وأمي، والكثير من المروج الخضراء في الغوطة الغنّاء، لم تكن الحرب قد أقبلت بوجهها البائس بعد، تمتد مواقد الشواء لعشرات العوائل التي تشابه عائلتي من حيث العدد والسعادة آنذاك.موقع سناك سوري.

نعقد حلقات “الشدة” وهي لعبة الورق، تتعالى الأصوات، يكظم المهزوم غيظه، وينتشي المنتصر فرحاً، قبل أن يصيح أحدهم، مابالكم إنها لعبة ورق للتسلية، يردف آخر، أيام الفرح لا تفوتوها انسوا هم الخسارة ماخسرتوا بيت أو شقة أو مشروع يا جماعة، يالجمال الهزائم وبساطتها آنذاك، يا لتلك البصيرة العفوية أيضاً، لقد خسرنا فيما بعد منازل وشقق ومشاريع وحتى .. حياة أيضاً.

و”تكريزة” رمضان لمن لا يعرفها، هي عبارة عن طقس دمشقي، تقوم خلاله العائلة بلم شملها القريب آنذاك وتذهب في سيران إلى الغوطة لتودع آخر أيام إفطارها قبل أن يحلّ شهر الصوم، لقضاء يوم عائلي جميل، يتضمن كل مفردات الفرح والحياة، صهري “أبو عبدو” كان صاحب نكتة يلقي علينا نكاته بينما تصدح ضحكاتنا في المكان لتشارك ضحكات عائلة أخرى مسيرها، صهري الآخر “أبو محمود” كان عازف عود عتيق وتكريزة رمضان كانت أرض خصبة ليمتعنا قليلاً بآخر ما تعلم من المعزوفات الجديدة، وأنا كنت أغني.. كانوا يقولون لي صوتك جميل وأنا كنت أنتشي فرحاً مع كلماتهم، إلى أن غنيت أمام جاري المصري المجنس منذ أكثر من 25 عاماً ليخبرني أن صوتي يحتاج الكثير من التمرين، عندها فقط أدركت معنى أن تكون بين عائلتك وأهلك في مدينتك حيث يرون كل تفاصيلك جميلة، يجاملونك لكي لا تفقد ثقتك بنفسك، وهم سيتحملون أي نشاذ تطلقه طالما أن ذلك يسعدك.موقع سناك سوري.

يأتي دور والدي الذي يسرد علينا عشرات القصص عن ذكرياته مع أهله، وكيف أن المحتل الفرنسي وقبله العثماني فشلوا في ثني الدمشقيين عن إحياء طقوس تكريزتهم، آه يا والدي لقد نجحت الحرب اليوم في ثني عن إحياء التكريزة معكم، يالعاري في غربتي معكم.

يبدد أطفالي شعور عاري بدخولهم المنزل متدافعين بفرح مع والدتهم، أشيح قليلاً عن ذاكرتي أستعطفها قليلاً على حالي، أخدر نفسي بالطمأنينة عليهم، فهنا لا حرب أخاف عليهم منها، وتكريزة رمضان ستبقى حلمي الوردي المفعم بـ”دمشق” وغوطتها.

اقرأ أيضاً : حين أصبح “الفقر” رجلاً لجأ إلى ألمانيا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى